الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حقيقة التيسير في الشريعة الإسلامية

حقيقة التيسير في الشريعة الإسلامية

حقيقة التيسير في الشريعة الإسلامية

إن من رحمة الله عز وجل بنا أن هدانا لهذا الدين الذي جاءت شريعته الكاملة لتحقق مصالح العباد، وتدرأ عنهم المفاسد وتحميهم منها، لقد قامت هذه الشريعة على رفع الحرج والمشقة، وعلى اليسر في الأمور كلها، لكن الاحتجاج بالتيسير والتسهيل، على التحلل من أحكام الشريعة، أو التحايل عليها وإتباع الهوى في الأخذ بالرخص والغرائب الفقهية الشاذة التي لا تستند إلى دليل صحيح، كل ذلك باطل وتلبيس وتضليل يرفعه أهل الأهواء الذين يتبعون الشهوات ويلوحون بها، لتمرير فسادهم وشهواتهم، يريدون بذلك تحلل المجتمع المسلم من أحكام الشريعة باسم التيسير وترك التشديد.

نعم إن الله يريد بنا اليسر، لكن الأعداء كما قال تعالى: (وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً )[النساء:27] إن من رحمة الله أنه عز وجل لم يكل مصالح العباد إلى أهواء البشر وشهواتهم، بل وضع شريعة كاملة مبرأة من الجهل والهوى: (وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ ) [المؤمنون:71].

إن الاحتجاج بدعوى التيسير والتسهيل، أو الاحتجاج بضغط الواقع وتغير الأحوال للتحلل من الأحكام الشرعية مرة بتأويل الأدلة وتحريفها، ومرة بحجة الضرورة، ومرة بالاستناد إلى قاعدة تغير الفتوى لتغير الحال والزمان والمكان والعوائد، كل ذلك من التلبيس والتضليل، للتفلت من الشرع المطهر خطوة خطوة، ولو أن كل الذين يطرحون قاعدة الضرورة، ويطرحون تغير الفتوى، لو أن كل من تكلم بهذا من العلماء الأتقياء المشهود لهم بالصلاح، الذين يعرفون ضوابط الضرورة وحدودها، ويعرفون متى تتغير الفتوى بتغير الأحوال، لكان لهذا الطرح وجه واعتبار. ولكن يوم أن يطرح هذه المسائل أقوام قد خلطوا وملئوا عقولهم بأفكار من تلك الحضارات الوافدة، والهزائم المتتالية، ثم يستدلون بهذه القواعد، وليسوا أهلاً للفهم أو الاستدلال لتسويغ ما يريدونه من منكر وباطل.

إن قاعدة الضرورة وقاعدة تغير الفتوى بتغير الحال، قاعدتان معتبرتان شرعاً بضوابطهما الشرعية، وإن المتناول لهذه القواعد مع ما يستجد في الواقع، إذا كان من أهل العلم ومتجرداً لله وطالباً للحق، فإنه يوفق في الغالب للحق والصواب، ولو أخطأ فهو مأجور إن شاء الله على اجتهاده، أما أن يأتي ملبس مضلل لا يعرف معروفا ولا ينكر منكراً إلا ما أشرب من هواه، بلا علم ولا تقوى من الله، ويريد أن يحتج بهذه القواعد للتحلل من الشرع ومسايرة الواقع، فهذا مما يرفضه الشرع ويأباه؛ لأن نهايته السير بأحكام الله عز وجل حسب أهواء الناس وشهواتهم، وما ألفوه في واقعهم. ولنعلم أن إصلاح الناس يقتضي الارتفاع بالبشر إلى مكارم الشريعة، وليس الإصلاح أو التيسير أن ننحط بالدين إلى مستنقع الناس ورذائلهم، وإن هذا التقليد الأعمى الذي يكلف الناس العنت الشديد في حياتهم مثل أساليب إفساد المرأة، والأمور التي جلبتها بعض الفضائيات التي لا تزال تنفث سماً زعافاً في بيوتنا وفي أبنائنا وبناتنا، أولئك الذين بهذا التقليد وبالدعوة إليه يكلفون الناس عنتاً شديداً، ثم لا يجد كثير من الناس لأنفسهم منه مفراً.

ــــــــــ

سعد البريك، بتصرف.

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة