الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ما بعد الثراء

ما بعد الثراء

ما بعد الثراء

فطر الإنسان على حب الخير والنظر إلى المال على أنه مفتاح ووسيلة للحصول على كل أو معظم الأشياء ، ولهذا فإن من النادر أن تجد من يتعامل مع الثراء على أنه تحدٍ ، يحتاج إلى تدبير وكياسة في التعامل ، وإلا صار مصدراً للأذى والضرر ، مع أن القرآن الكريم ، وضّح لنا دون لبس أن الغنى مثل الفقر أداة اختبار وابتلاء على نحو ما نجده في قول الله ـ تعالى ـ : (( ونبلوكم بالشر والخير فتنة ، وإلينا ترجعون )) : ومذهبي إيثار الغنيِّ الشاكر على الفقير الصابر ، لأن الغني يستطيع الإسهام في حل كثير من المشكلات ، على حين أن الفقير مشغول بنفسه ، بل إنه ينتظر المساعدة من غيره . المال في الرؤية الإسلامية وسيلة لقضاء الحاجات والشعور بالاستقرار والرضا ووسيلة للتقرب إلى الله ـ تعالى ـ وإن تحويل بعض الناس له إلى غاية وشيء مقصود لذاته يُدخل الكثير من الخلل على حياتهم الشخصية ، وعلى الحياة العامة أيضاً ، وهذا الإشكال لا يقتصر في الحقيقة على المال بل هو عام ، في كل شؤون الحياة ، إذ إن تحويل الوسائل إلى غايات والغايات إلى وسائل موصول دائماً بانحطاط المدنية والاضطراب الشامل .

السؤال هو : ما الطريقة المثلى لتعامل الأفراد والحكومات مع الثروات التي تصبح بطريقة ما في حوزتهم ؟
في مقاربة الجواب أقول : إن على الفرد أن ينظر إلى الثروة على أنها نعمة كبرى من الله ـ تعالى ـ لكن هذه النعمة تشبه الوردة المحاطة بالأشواك ، ومن ثم فإن من المهم التعامل مع الثروة على أنها شيء يحتاج إلى إدارة وعلم وحكمة وانضباط ، وقد يتجلى ذلك في الآتي :
1- الحذر الشديد من استخدام المال في معصية الله ـ تعالى ـ لأنه بذلك يتحول من نعمة إلى نقمة ويتحول معه صاحبه من النجاح إلى الفشل.
2- من السهل أن يصبح المال مصدر انحطاط للشخص وذلك من خلال الاستغراق في تثميره والتمتع به ، ونحن نعرف الكثير من أبناء الأثرياء الذين انصرفوا عن إكمال تعليمهم بسبب الاعتقاد بأن التعليم للوظيفة ، وهم ليسوا في حاجة إليها ، كما أننا نعرف الكثير من الناس الذين حوَّلهم المال إلى طغاة ومتكبرين ، إن ( المال ) يشبه ((النار ) فنحن في حاجة إلى الانتفاع بكل منهما ، كما أنه يمكن لهما تدمير الكثير من الأشياء العزيزة .

3- الصدقة وصلة الرحم والتوسعة على العيال وإكرام الإخوان من الوجوه الحسنة للاستفادة من المال ونحن نعرف أن الإنفاق في سبيل الله باب عظيم من أبواب التقرب إليه ، بالإضافة إلى أنه وسيلة مثالية لحفظ المال وتنميته ، والآيات والأحاديث في هذا كثيرة ومشهورة
4- الاستفادة من المال في التعلم وحضور الدورات التدريبية وتعليم الأبناء ، وهذا مهم للغاية لأننا بذلك نقوم بترجمة المكاسب الاقتصادية إلى مكاسب ثقافية ، وبذلك يصبح المال عاملاً في إحداث تغييرات عميقة في شخصياتنا بعد أن كان عبارة عن شيء نملكه ، وقد نفقده .

أما ماعلى الحكومات أن تفعله بالثروات التي تجتمع لديها ، فإنه يتلخص في الآتي :
1- الإنفاق على البنية التحتية والخدمات العامة لأنها تشكل في النهاية بيئة العيش وبيئة العمل لجميع المواطنين ، ومن الصعب أن تحدث تنمية جيدة في ظل انقطاع الماء والكهرباء وفي ظل عدم وجود طرق ووسائل نقل مناسبة ...
2- استعادة التوازن الاجتماعي ، وذلك لأن هناك الكثير من الأسباب التي تؤدي إلى وجود طبقة فقيرة بل معدومة ، ويمكن للدولة أن تستخدم الثروة في دعم المشروعات الصغيرة ورصد المنح الدراسية لأبناء الفقراء وتقديم المساعدات المالية لهم من أجل ضمان حد أدنى من العيش الكريم

3- الإنفاق بسخاء على التعليم والبحث العلمي وتوجيه المال لإيجاد أنشطة ووظائف على صلة بالمعرفة ، وهذه قضية مهمة ، حيث يشهد العالم اليوم تكون رأس مال عالمي جديد ، قوامُه المهارة والمعرفة والقيادة والإبداع ، ورأس المال هذا هو الذي ترتكز عليه الشعوب حين تنضب ثرواتها ومعادنها ، وحين يبلغ النمو المادي أقصاه .
4- إدخار شيء للأجيال القادمة ، فالتغيرات العالمية الهائلة والسريعة تجعل المستقبل شديد الغموض ، ومن المهم حينئذ ألا نضع أحفادنا في ظروف لا يستطيعون تحمل عبئها ولأواءها .

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة