الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ليشهدوا منافع لهم

ليشهدوا منافع لهم

ليشهدوا منافع لهم

لما أمر سبحانه عباده بالحج في قوله: {وأذن في الناس بالحج} ذكر حكمة ذلك الأمر بعدُ في قوله تعالى: {ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير} (الحج:28).

ومعنى {ليشهدوا} أي: ليحضروا منافع لهم، فـ (الشهود) هنا بمعنى الحضور، أي، ليحضروا، فيحصلوا منافع لهم؛ إذ يُحصِّل كل واحد ما فيه نفعه. وأهم المنافع ما وعدهم الله على لسان إبراهيم عليه السلام من الثواب. فكنى بشهود المنافع عن نيلها.

وقد ذكر المفسرون ثلاثة أقوال في المراد بهذه (المنافع):

فقال بعضهم: هي التجارة ومنافع الدنيا. روى هذا عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: {ليشهدوا منافع لهم} قال: هي الأسواق. وعنه قال: التجارة.

وقال آخرون: هي الأجر في الآخرة، والتجارة في الدنيا، روي عن مجاهد قوله: {ليشهدوا منافع لهم} قال: التجارة، وما يرضي الله من أمر الدنيا والآخرة. وعنه أيضاً: قال: الأجر في الآخرة، والتجارة في الدنيا.

وقال آخرون: بل هي العفو والمغفرة. روي عن أبي جعفر قال: {ليشهدوا منافع لهم} قال: العفو.

وقد صوَّب الطبري قول من قال: عنى بذلك: {ليشهدوا منافع لهم} من العمل الذي يرضي الله والتجارة، وذلك أن الله عمَّ لهم منافع جميع ما يشهد له الموسم، ويأتي له مكة أيام الموسم من منافع الدنيا والآخرة، ولم يخصص من ذلك شيئاً من منافعهم بخبر ولا عقل، فذلك على العموم في المنافع التي وصفت.

قال ابن عاشور: "وأعظم ذلك اجتماع أهل التوحيد في صعيد واحد؛ ليتلقى بعضهم عن بعض ما به كمال إيمانه".

وتنكير {منافع} للتعظيم المراد منه الكثرة، وهي المصالح الدينية والدنيوية؛ لأن في مجمع الحج فوائد جمة للناس؛ لأفرادهم من الثواب والمغفرة لكل حاج، ولمجتمعهم؛ لأن في الاجتماع صلاحاً في الدنيا بالتعارف والتعامل.

وقد ذكر بعض المفسرين المنافع التي تحصل للحجاج: دنيوية وأخروية مما يشاهده ويحس به الفرد المسلم في نفسه وفي أمته، فمن المنافع الدنيوية التي يلمسها الناس البيع والشراء، ومكاسب أصحاب الحرف التي تتعلق بالحجاج، والحركة المستمرة في وسائل النقل المختلفة، وفائدة الفقراء بما يدفع لهم من صدقات، أو يقدم من ذبائح الهدي والكفارات عن كل محظور يرتكبه المحرم، وتسويق البضائع والأنعام إلى غير ذلك مما يلمسه كل مسلم يشارك في الحج، ومن المشاهد أن الله يهون النفقة والبذل فيه على الإنسان حتى تجود يده بما لم يجد به من قبل في حياته العادية، علاوة على ما في الحج من التعارف فيما بين المسلمين والتعاون على مصالحهم.

أما المنافع الدينية والتي تعود بالخير الجزيل على أعمال الآخرة فمنها: التفقه في الدين، والاهتمام بشؤون المسلمين عموماً، والتعاون على البر والتقوى، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والدعوة إلى الله سبحانه، والفوز بما وعد الله به الحجاج والعمار من تكفير السيئات، والفوز بالجنة، وتنزل الرحمة على عباد الله في هذه المشاعر العظيمة. وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبداً من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنو فيباهي بهم ملائكته فيقول: ما أراد هؤلاء؟) رواه مسلم. وقال عليه الصلاة والسلام: (العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة} متفق عليه. وفي "صحيح البخاري" أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من حج ولم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه) متفق عليه، والأحاديث في هذا المعنى كثيرة.

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة