الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

القوامة وأثرها في استقرار الأسرة والمجتمع

القوامة وأثرها في استقرار الأسرة والمجتمع

ينطلق المنهج الإسلامي في بناء الأسرة من خلال نظرة الإسلام لها؛ لأنها الأساس في بناء المجتمع واستقراره؛ فالأسرة كما نعلم هي اللبنة الأولى في بناء المجتمع؛ إذا صلحت صلح المجتمع بأسره، وإن فسدت فسد كله.
ولقد أحاط الإسلام الأسرة بسياج من النظم والتشريعات حدد بموجبها الحقوق والواجبات لكل من الزوجين، ووزعت الاختصاصات بما يتفق مع القدرة الجسمية والحاجة النفسية لكل منهما. فهذه النظم والتشريعات تجمع ولا تفرق، تبني ولا تهدم، تصلح ولا تفسد، وبذلك يتحقق للمجتمع المسلم الطمأنينة والاستقرار والنأي عن التفكك والانهيار.
وإن من القواعد المهمة التي يستقر عليها بناء الأسرة مسألة القِوامة التي أوكلها الله ـ سبحانه وتعالى ـ للرجل بقوله: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ} [النساء: 34]، هذه القِوامة التي حاول أعداء الإسلام ودعاة التغريب من أبناء جلدتنا استغلالها في تحريض المرأة المسلمة عليها مُدَّعين أن المرأة المسلمة تعيش حياة قهر واستبداد وذل وخضوع واستغلال من قِبَل الرجل، وأنها مقيدة لا تستطيع الحراك إلا بإذنه وبأمره. فحرضوها وشجعوها على التمرد بدعوى رفع الظلم عنها، وإطلاق حريتها، ومساواتها بالرجل سواء بسواء.
لقد أصبح واضحاً ومكشوفاً ولم يعد خافياً على أحد ـ اللهم إلا على ذي بصيرة عمياء أو ذي قلب قد ختم الله عليه ـ أن هذا التحريض ما هو إلا دعوة للتمرد على أحكام الدين وتشريعاته لتحطيم قواعد المجتمع الإسلامي وأسسه الثابتة، وتدميره من خلال تقويض دعائمه التي من أهمها على الإطلاق الترابط الأسري والاجتماعي.

نحن نرى أنه لابد للمؤسسات والشركات التجارية من وجود مدير أو رئيس لها يدير شؤونها، وما على العاملين بها إلا السير وفق توجيهاته الإدارية. والأسرة في حقيقتها هي الأخرى مؤسسة، وبحاجة إلى رئيس يقوم بالإشراف عليها؟ وكيف يمكن للأسرة أن تستقيم ولها رئيسان يتنازعان أمرها؟ ومن أحق بهذه الرئاسة: المرأة أم الرجل؟ وهل قوامة الرجل على الأسرة إلغاء لشخصية المرأة كما يدَّعي المنحرفون؟
إن الخصائص التـي منحها الله ـ سبحانه ـ للرجل من قوة وشجاعة ورباطة جأش وتحمل للمشاق والصعاب وثبات عند النوازل والزلازل تتناسب وهذه المهمة التي أوكلها الله إليه؛ فهي تجعله أقدر على القوامة وإدارة الأسرة والسير بها إلى بر الأمان. أما المرأة فهي تفتقد لتلك الخصائص الموجودة عند الرجل وهو ما يجعلها غير مؤهلة للقوامة؛ لأنها زُوِّدت بخصائص تتناسب ومهمتها في هذه الحياة وهي حضانة النشء وتربيته ومنحه ما يحتاجه من رقة وعطف ولين، وغير ذلك مما تتميز به المرأة عن الرجل. فالله ـ سبحانه وتعالى ـ قد خلق المرأة والرجل، وزودهما بالصفات الجسمية والنفسية التي تتناسب ومهمة كل منهما.
يقول صاحب الظلال ـ رحمه الله ـ: «إن هذه القوامة ليس من شأنها إلغاء شخصية المرأة في البيت ولا في المجتمع الإنساني، ولا إلغاء وضعها المدني، وإنما هي وظيفة داخل كيان الأسرة لإدارة هذه المؤسسة الخطيرة وصيانتها وحمايتها».
فمسـألة القـوامـة مـسألة خطـيـرة لا يجوز أن تتحكم بها أهواء البشر ونزواتهم، ولها من الأهمية ما يدعو إلى الإصرار عليها من قِبَل الرجل وعدم التفريط بها؛ فهي مسؤولية كبيرة ألقيت على عاتقه وسيُسأل عنها يوم القيامة. يقول صلى الله عليه وسلم: «ما من عبد استرعاه الله رعية فلم يَحُطها بنصيحة إلا لم يجد رائحة الجنة .
وقال: «كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته .. والرجل راع في أهله ومسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها..».
فلا يجوز للرجل المؤمن المسلم أن يخضع لدعوات التغريب وأعداء الإسلام الحاقدين والاستجابة لهم ليثبت أنه رجل عصري ومتحرر، وأنه من أنصار المرأة والحفاظ على حقها؛ فهذا لا يجوز؛ لأن الذي شرع القوامة هو الخالق سبحانه وتعالى، وهو أعلم بمن خلق وما يصلح لهم وما لا يصلح: {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْـخَبِيرُ} [الملك: 14] .
إن أكثر المشكلات والخلافات الأسرية والعائلية والاجتماعية تنشأ بسبب تنازل الرجل عن حقه في القوامة وتسليمها للمرأة. وما نشاهده اليوم من نشوز كثير من النساء وتمردهن ما هو إلا نتيجة لسلبية الرجل وتخاذله في هذه المسألة.
فلو أدرك الرجل خطورة تخليه عن القوامة ونتائجها السيئة التي ستعود عليه في المستقبل وعلى أسرته لعض عليها بالنواجذ.
كم نرى من رجال ملتزمين دينياً إلاَّ أن زوجاتهم أو بناتهم سافرات متبرجات كاسيات عاريات. يقول صلى الله عليه وسلم: «سيكون في آخر أمتي رجال يركبون على السروج كأشباه الرجال ينزلون على أبواب المسجد نساؤهم كاسيات عاريات على رؤوسهن كأسنمة البخت العجاف، العنوهن؛ فإنهن ملعونات».
كم من الرجال من نجده يعيش همّاً بالليل وذلاً في النهار نتيجة تراكم الديون عليـه مــن جــراء طلبات زوجتــه التـي لا تنتهي ولا تتناسب مع دخله المادي؛ وذلك لإسكاتها وإرضائها أو خوفاً منها؛ فمن الذي دفعها إلى هذا؟ أليس هو تخلي زوجها عن حقه في القوامة؟
وكم مِن النساء مَنْ حاولت أن تسلخ زوجها عن والديه وتخلق الفتنة وتزرع الفرقة بينه وبين أشقائه لتبعده عنهم وتلصقه بوالديها وإخوتها وأقاربها؛ تسلط الأضواء على كل خطأ يصدر عن أهل زوجها وتغض الطرف عـن محاسنهم. ولو كان الأمر يتعلق بأهلها لانعكس الأمر تماماً. ومن المؤسف حقاً أن مجتمعنا يعاني الكثير من هذه الأمور. إن السكوت عن هذه الأمور وتجاهلها دون السعي لإيجاد حل لها سيؤدي حتماً إلى العداوة والبغضاء بين أفراد العائلة الواحدة. وفي اعتقادي أن السبب الرئيس في هذه المسألة يعود إلى سلبية الرجل وضعف شخصيته وتنازله عن حقه في القوامة.
إن المرأة إذا كانت تعاني من ضعف الوازع الديني ولا تعي ما لها من حقوق وما عليها من واجبات سوف تحاول إخضاع زوجها لها بشتى الطرق والأساليب؛ فإذا وَجَدَت تنازلاً واحداً منه سعت إلى المزيد حتى تتم لها السيطرة التامة والتحكم فيه كما تشاء، ثم تفرض سيطرتها على المنزل بكامله ويصبح الزوج المسكين عندها مجرد بنك لا أكثر ولا أقل.
فمن المسؤول عن ذلك؟! واللهِ إنه الرجل وليس أحداً غيره. يقول صاحب الظلال ـ رحمه الله ـ: «لعل من الدلائل ما أصاب الحياة البشرية من تخبط وفساد ومن تدهور وانهيار، ومن تهديد بالدمار والبوار في كل مرة خولِفَتْ فيها هذه القاعدة فاهتزت سلطة القوامة في الأسرة، واختلطت معالمها، أو شذت عن قاعدتها الفطرية الأصلية».

وهنا سؤال يطرح نفسه: هل هناك دور للمرأة في استقرار الأسرة؟
نعم ! إن دور المـرأة لا يقل أهمية عن دور الرجل؛ لأنه مكمل له؛ وينجلي دورها هنا في طاعة الزوج في المعروف، ولو لم يكن لطاعة الزوج أثر إيجابي بالغ لما حض عليه وأرشد إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى؛ فقد وردت أحاديث كثيرة تحض على هذا الأمر ومنه قوله - عليه الصلاة والسلام -: «إذا صلت المرأة خمسها، وصامت شهرها، وحفظت فرجها، وأطاعت زوجها قيل لها: ادخلي الجنة من أي أبواب الجنة شئت».
وقال أيضاً: «أيما امرأة ماتت وزوجها راض عنها دخلت الجنة».
وفي المقابل إذا باتت المرأة وزوجها غضبان عليها لعنتها الملائكة حتى تصبح .
وطاعة الزوج تكون في غير معصية الله سبحانه وتعالى؛ إذ «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق» .
وتكون طاعته في حضوره وفي غيابه؛ لأن الله - سبحانه وتعالى - يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، {فَالصَّالِـحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ} [النساء: 34].
إن طاعة الزوج واحترامه وتقديره يساعد على تنمية المحبة في قلبه لزوجته، والعطف والحنان عليها مما يشعرها بالاطمئنان والأمان الذي سينعكس على أفراد الأسرة جميعهم مما يساعد على تماسكها ويبعدها عن التفكك والانهيار.
ولتعلم المرأة المسلمة أنه ليس من مصلحتها إطلاقاً ولا من مصلحة أبنائها، بل ولا من مصلحة ذويها أن تحاول سلب زوجها القوامة؛ فإن تمادت في ذلك واستطاعت السيطرة والتحكم في طفولة الأبناء فسوف تتلاشى سيطرتها عليهم في عمر المراهقة، هذا العمر الذي يتميز بالتمرد والعصيان؛ فهم في حاجة ماسة إلى سلطة قوية وحازمة وهذا ما تفتقده النساء عموماً؛ لأنه ليس من طبيعتهن القوة والحزم وإنما اللين والعطف والحنان.
فلتعد المرأة المسلمة إلى ظلال الشرع الحنيف الذي يحميها وأسرتها من تلك الفتن التي عصفت بالمجتمع الإسلامي تحت مسمى حقوق المرأة ومساواتها بالرجل وتمردها على كل القيم والأخلاق الفاضلة الكريمة.
وليعلم كلٌّ من المرأة والرجل أن الأساس الذي يقوم عليه التشريع للناس وتحقيق مصالحهم وسعادتهم في هذه الحياة هو ما أمر الله به ـ سبحانه وتعالى ـ وأذن به، وليس ما أمر به أعداء ديننا الحنيف. قال ـ تعالى ـ: {وَمَا كَانَ لِـمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْـخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحــزاب: 36]. فلا بد من تعاون المرأة والرجل سوياً للحفاظ على كيان الأسرة وأمنها؛ وذلك من خلال سد كل الثغرات التي تؤذيها؛ ولا يتحقق هذا الأمر إلا بالالتزام الكامل بما أمر به الشرع وأرشد إليه حتى يكونا القدوة الحسنة والمحضن الآمن والمستقر لأبنائهما؛ لأن القدوة الحسنة الصالحة هي الأساس المتين لتربية جيل فاعل وبنّاء في المجتمع؛ فإن فَـعَلا ذلك يكونا قد قاما بأداء ما عليهما من الحقوق والواجبات التي أوجبها عليهما الإسلام، ويكونا قد شاركا بجهدهما في تكوين الأسرة الصالحة بكل الخصائص والمقومات التي دعا إليها ديننا الإسلامي الحنيف مما يسهم في بناء مجتمع متميز بآدابه وسلوكه وقيمه ومبادئه العظيمة، وتكون القدوة الصالحة لباقي المجتمعات ويتحقق فينا قوله ـ تعالى ـ: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْـمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْـمُنكَرِ} [آل عمران: 110] .
ولا بد من كلمة أخيرة أود أن أوجهها إلى الرجل وهي أن مفهوم القوامة في البيت ليس معناها إلقاء الأوامر والتحكم الجائر أو القهر والاستبداد أو الظلم أو الاستعباد لمن تحت رعايته.
يقول ـ تعالى ـ: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْـمَعْرُوف} [النساء: 19]، ويقول صلى الله عليه وسلم: «خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهله».
وقال ـ تعالى ـ: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّـمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا}. [الأحزاب: 21] .
فمن الواجب على الزوج المسلم أن يكون عطوفاً حنوناً ومحباً لأسرته، ليِّناً في المواقف التي تتطلب اللين، حازماً في المواقف التي تستدعي الحزم.
ومن مستلزمات القوامة أن يكون الزوج قدوة حسنة في التزامه الشرعي وسلوكه حتى يستطيع أن يؤثر فيمن تحت رعايته. يقول ـ تعالى ـ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ}. [الصف: 2 - 3] .
ويقول ـ تعالى ـ أيضاً: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ} [البقرة: 44].
فإن استطاع الرجل أن يحقق تلك الصفات فإنه - بإذن الله- يتمكن من الوصول بأسرته وبمجتمعه إلى بر الأمـان.
وعندئذ يظهر للجميع أثر القوامة الشـرعية التي كلَّفَ الله - سـبحانه وتعالى - بها الرجل لتحقيق استقرار الأسرة الذي ينعكس أثره على المجتمع الإسلامي كله.

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة