الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

إبطال بعض الشبهات التي تثار حول قسمة التركات في الإسلام

إبطال بعض الشبهات التي تثار حول قسمة التركات في الإسلام

حاول أعداء الإسلام الدخول على القرآن من خلال آيات الميراث، زاعمين أن القرآن العظيم أعطى الأنثى عمومًا، والزوجة خصوصًا من التركة (الميراث) نصف ما أعطاه للذكر عمومًا والزوج خصوصًا، فزعموا أن القرآن العظيم هضم المرأة حقها، وأجحف بها، وللرد على هذه الشبهة المتهافتة نقول:

إن القول بأن الإسلام أعطى الأنثى من الميراث أقل مما أعطاه الذكر بهذا الإطلاق قول غير صحيح، فالأنثى والذكر في الميراث لهما أربع حالات.

الحالة الأولى: أن يكون نصيب الأنثى كنصيب الذكر تماما كما هو الحال في الإخوة والأخوات من الأم، فالواحد منهم يأخذ السدس سواء كان ذكرا أو أنثى، والجماعة منهم يأخذون الثلث، ونصيب الأنثى كنصيب الذكر من هذا الثلث.

الحالة الثانية: أن ترث الأنثى فقط وتكون هي سبباً في حرمان الذكر منه، كما لو توفي رجل أو امرأة عن بنت وأخت شقيقة وأخ من الأب، فالبنت لها النصف والأخت الشقيقة لها النصف الباقي، ولا شيء للأخ من الأب، لأنه محجوب بالأخت الشقيقة مع كونه ذكراً وهي أنثى.

الحالة الثالثة: أن تأخذ الأنثى أكثر مما يأخذه الذكر، كمن توفي عن أخت (شقيقة أو من الأب)، وأم وعم (أو أخ من الأم)، فالأخت لها النصف، والأم لها الثلث، والباقي سدس يأخذه العم (أو الأخ من الأم)، فالأخت هنا وكذا الأم كل واحدة منهما أنثى، وقد أخذت أكثر من نصيب الذكر، وهو العم أو الأخ من الأم.

الحالة الرابعة: أن تأخذ الأنثى نصف ما للذكر وهذه تكون في عدة صور منها.

البنت مع الابن، وبنت الابن مع ابن الابن، والأخت الشقيقة مع الأخ الشقيق، والأخت من الأب مع الأخ من الأب، ونصيب الزوجة مقارنة بنصيب الزوج، فكل واحدة من الإناث هنا تأخذ نصف ما يأخذ الذكر، ولكن لماذا؟ وما الحكمة من ذلك؟ وهل هذا التفضيل راجع إلى جنسهما؟ أي للذكورة والأنوثة، أم أن هناك سبباً آخر وراء هذا التفضيل؟ وللجواب عن هذه التساؤلات نقول:

ليس التفضيل هنا راجعاً للجنس قطعاً، بدليل أن هناك حالات ورثت فيها الأنثى مثل الذكر تماماً، وحالات ورثت فيها أكثر منه، بل وحرمته أيضاً في حالات أخرى كما مر معنا، ولم يَفْهَمِ القرآنَ من ظنّ أن أنصبة الوارثين والوارثات جاءت معللة بسبب الذكورة والأنوثة فقط؛ لأن القرآن العظيم قسَّم الأنصبة بين الوارثين على ثلاثة معايير:

1: درجة القرابة بين الوارثين -ذكرًا أو أنثى- وبين المورِّث (المتوفى)، فكلما اقتربت الصلة زاد النصيب في الميراث، دونما اعتبار لجنس الوارثين.

2: موقع الجيل الوارث من التتابع الزمني للأجيال؛ فالأجيال التي تستقبل الحياة، وتستعد لتحمل أعبائها، عادة يكون نصيبها في الميراث أكثر من نصيب الأجيال التي تستدبر الحياة، وتتخفف من أعبائها، بل وتصبح أعباؤها -عادة- مفروضة على غيرها، وذلك بصرف النظر عن الذكورة والأنوثة للوارثين والوارثات، فبنت المتوفى ترث أكثر من أمه -وكلتاهما أنثى- بل ترث البنت أكثر من الأب حتى لو كانت رضيعة لا تدرك شكل أبيها، وحتى لو كان الأب هو مصدر الثروة التي للابن، والتي تنفرد البنت بنصفها، وكذلك يرث الابن أكثر من الأب -وكلاهما من الذكور-.

3: العبء المالي الذي يوجب الشرع الإسلامي على الوارث تحمله والقيام به حيال الآخرين، وهذا هو المعيار الوحيد الذي يثمر تفاوتًا بين الذكر والأنثى، لكنه تفاوت لا يفضي إلى أيّ ظلم للأنثى أو إنصافها، بل ربما كان العكس هو الصحيح. ففي حالة ما إذا اتفق وتساوى الوارثون في درجة القرابة، واتفقوا وتساووا في موقع الجيل الوارث من تتابع الأجيال، مثل: أولاد المتوفى ذكورًا وإناثًا؛ يكون تفاوت العبء المالي في الغالب هو السبب في التفاوت في أنصبة الميراث؛ ولذلك لم يُعَمِّم القرآن الكريم هذا التفاوت بين الذكر والأنثى في عموم الوارثين، وإنما في صورة معدودة، فالابن الذكر مطالبه في الحياة، وفي نظام الإسلام نفسه أكثر من مطالب أخته؛ فهو الذي يُكلَّف بإعالة نفسه متى بلغ سنّ الرشد، وهو المكلَّف بدفع المهر لزوجته، وبنفقة الزوجية، ونفقة الأولاد؛ من تعليم، وتطبيب، وكساء، وغير ذلك، والأنثى ستتزوج في الغالب ولا تطالب بدفع مهر ولا نفقة وإنما نفقتها على زوجها...