[ ص: 361 ] المسألة السابعة : في عموم الجمع المنكر للقلة أو للكثرة
قال جمهور أهل الأصول : إن جمع القلة المنكر ليس بعام ; لظهوره في العشرة فما دونها .
وأما جمع الكثرة المنكر فذهب جمهور المحققين إلى أنه ليس بعام ، وخالف في ذلك الجبائي ، وبعض الحنفية ، وابن حزم ، وحكاه ابن برهان عن المعتزلة ، واختاره البزدوي ، وابن الساعاتي ، وهو أحد وجهي الشافعية ، كما حكاه الشيخ أبو حامد الإسفراييني ، والشيخ أبو إسحاق الشيرازي وسليم الرازي .
احتج الجمهور بأن الجمع المنكر لا يتبادر منه عند إطلاقه عن قرينة العموم نحو رأيت رجالا ، استغراق الرجال ، كما أن رجلا عند الإطلاق لا يتبادر منه الاستغراق لأفراد مفهومه ، ولو كان للعموم لتبادر منه ذلك ، فليس الجمع المنكر عاما ، كما أن رجلا كذلك .
قال في المحصول : لنا أن لفظ رجال يمكن نعته بأي جمع شئنا ، فيقال : رجال ثلاثة ، وأربعة ، وخمسة ، فمفهوم قولك : رجال ، يمكن أن يجعل مورد التقسيم لهذه الأقسام ، والمورد للتقسيم بالأقسام يكون مغايرا لكل واحد من تلك الأقسام ، وغير مستلزم لها ، فاللفظ الدال على ذلك المراد لا يكون له إشعار بتلك الأقسام ، فلا يكون دالا عليها ، وأما الثلاثة فهي مما لا بد فيه ، فثبت أنها تفيد الثلاث فقط .
احتج القائلون أنه يفيد العموم : بأنه قد ثبت إطلاقه على كل مرتبة من مراتب الجموع ، فإذا حملناه على الجميع فقد حملناه على جميع حقائقه ، فكان أولى .
وأجيب : بمنع إطلاقه على كل مرتبة حقيقة ، بل هو للقدر المشترك بينها كما تقدم ، ولا دلالة له على الخصوص أصلا .
واحتجوا ثانيا بأنه لو لم يكن للعموم لكان مخصصا بالبعض ، واللازم منتف لعدم [ ص: 362 ] المخصص ، وامتناع التخصيص بلا مخصص .
وأجيب : بالنقض برجل ونحوه ، مما ليس للعموم ، ولا مختصا بالبعض ، بل شائعا يصلح للجميع .
ولا يخفاك ضعف ما استدل به هؤلاء القائلون بأنه للعموم ، فإن دعوى عموم " رجال " لكل رجل مكابرة لما هو معلوم من اللغة ، ومعاندة لما يفهمه كل عارف بها .


