الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
9 - من قال: إنما الربا في النسيئة

11045 - أخبرنا أبو عبد الله وأبو بكر، وأبو زكريا، قالوا: حدثنا أبو العباس، أخبرنا الربيع، أخبرنا الشافعي، أخبرنا سفيان بن عيينة، أنه سمع عبيد الله بن أبي يزيد، يقول: سمعت ابن عباس، يقول: أخبرني أسامة بن زيد، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إنما الربا في النسيئة". أخرجه مسلم في الصحيح، من حديث ابن عيينة.

11046 - قال الشافعي: في رواية أبي عبد الله، وروي من وجه غير هذا ما يوافقه.

[ ص: 41 ] 11047 - قال أحمد: أظنه أراد حديث البراء بن عازب، وزيد بن أرقم: سألنا النبي صلى الله عليه وسلم عن الصرف، فقال: "ما كان منه يدا بيد فلا بأس، وما كان منه نسيئة فلا".

11048 - أخبرناه محمد بن عبد الله الحافظ، حدثنا أبو عبد الله محمد بن يعقوب، حدثنا إبراهيم بن عبد الله، أخبرنا أبو عاصم، أخبرنا ابن جريج قال: أخبرني عمرو بن دينار، وعامر بن مصعب، أنهما سمعا أبا المنهال، يقول: سألت البراء بن عازب، وزيد بن أرقم عن الصرف، فقالا: كنا تاجرين على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصرف، فذكره.

11049 - وقد أخرجه البخاري في الصحيح، وهو مختصر، وقد رواه البخاري، عن علي بن المديني، ورواه مسلم، عن محمد بن حاتم، كلاهما عن سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن أبي المنهال قال: باع شريك لي دراهم في السوق نسيئة، وربما قال: نسيئة إلى الموسم أو الحج، ثم ذكر الحديث.

11050 - ورواه العباس بن يزيد، عن سفيان قال: باع دراهم نفاية بدراهم جياد نسيئة. ورواه الحميدي، عن سفيان، وقال: دراهم بينهما فضل، ولم يقل: نسيئة.

11051 - وقد خالفه حبيب بن أبي ثابت، عن أبي المنهال، فرواه في بيع الورق بالذهب دينا.

11052 - أخبرناه أبو عبد الله الحافظ، حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، حدثنا إبراهيم بن مرزوق، حدثنا يعقوب بن إسحاق الحضرمي، وبشر بن عمر، وعفان [ ص: 42 ] بن مسلم، قالوا: حدثنا شعبة، عن حبيب بن أبي ثابت، عن أبي المنهال قال: سألت البراء بن عازب، وزيد بن أرقم عن الصرف، فسألت البراء، فقال: ائت زيدا فإنه خير مني وأعلم، فسألت زيدا، فقال: ائت البراء فإنه خير مني وأعلم، فكلاهما قالا: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبيع الورق بالذهب دينا". أخرجه البخاري، ومسلم في الصحيح، من حديث شعبة، وفي رواية معاذ بن معاذ، وأبي عمر الحوضي، عن شعبة، ذكر سماع حبيب بن أبي ثابت.

11053 - وهذا يدل على أن المنقول عن النبي صلى الله عليه وسلم في رواية عمرو بن دينار إنما ورد في الجنسين إذا بيع أحدهما بالآخر، والله أعلم.

11054 - وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ، حدثنا أبو العباس، أخبرنا الربيع قال: قال الشافعي: فكان ابن العباس لا يرى في دينار بدينارين، ولا في درهم بدرهمين، يدا بيد، بأسا، ويراه في النسيئة، وكذلك عامة أصحابنا، وكان يروى مثل قول ابن عباس، عن سعيد، وعروة بن الزبير رأيا منهما لا يحفظ عنهما، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

11055 - قال الشافعي: فأخذنا بهذه الأحاديث التي توافق حديث عبادة، وكانت حجتنا في أخذنا بها، وتركنا حديث أسامة بن زيد إذ كان ظاهره يخالفها، وقول من قال: إن النفس على حديث الأكثر أطيب؛ لأنهم أشبه أن يحفظوا من الأقل، وكان عثمان بن عفان وعبادة أسن وأشد وأقدم صحبة من أسامة، وكان أبو هريرة، وأبو سعيد أكثر حفظا، عن النبي صلى الله عليه وسلم: فيما علمنا من أسامة.

11056 - فإن قال قائل: فهل يخالف حديث أسامة حديثهم؟ قيل: إن كان يخالفها فالحجة فيها دونه لما وصفنا.

11057 - فإن قيل: فأنى ترى هذا أتى؟ قيل له: الله أعلم. قد يحتمل أن يكون سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم، سئل عن الربا في صنفين مختلفين: ذهب بفضة، وتمر بحنطة، فقال: إنما الربا في النسيئة، فحفظه فأدى قول النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يؤد مسألة السائل، فكان ما أدى منه عند من سمعه: لا ربا إلا في النسيئة .

[ ص: 43 ] 11058 - قال الشافعي في القديم: وكبار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون بأن في النقد ربا: عمر وعثمان وغيرهم.

11059 - أخبرنا أبو سعيد، حدثنا أبو العباس، أخبرنا الربيع قال: قال الشافعي، فيما بلغه عن أبي معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيم التيمي، عن أبيه، عن عبد الله هو ابن مسعود قال:

11060 - "أما لا بأس بالدرهم بالدرهمين". فقد قال الشافعي: ولسنا ولا إياهم نقول بهذا.

11061 - قال أحمد: قد روينا، عن أبي إسحاق، عن سعد بن إياس، عن ابن مسعود، أنه قدم المدينة فسأل أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم: فقالوا: "لا تصلح الفضة إلا وزنا بوزن"، فلما قدم قال: "لا تحل الفضة بالفضة إلا وزنا بوزن".

11062 - وروينا عن أبي الجوزاء، عن ابن عباس، أنه قال: قد كنت أفتي بذلك حتى حدثني أبو سعيد، أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عنه، فأنا أنهاكم عنه.

[ ص: 44 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية