الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
أنبأنا الحسن بن سفيان ، حدثنا حبان بن موسى أخبرنا عبد الله بن هارون هو الأعور ، عن إسماعيل قال " لا تشترين عداوة رجل بمودة ألف رجل ".

وأنشدني عمرو بن محمد قال: حدثنا الغلابي ، قال أنشدني مهدي بن سابق :


تكثر من الإخوان ما استطعت إنهم عماد إذا استنجدتهم وظهور     وليس كثيرا ألف خل لصاحب
وإن عدوا واحدا لكثير



قال أبو حاتم رضي الله عنه: لا يجب على العاقل أن يكافئ الشر بمثله، وأن يتخذ اللعن والشتم على عدوه سلاحا; إذ لا يستعان على العدو بمثل إصلاح العيوب، وتحصين العورات، حتى لا يجد العدو إليه سبيلا.

[ ص: 95 ] والعاقل لا يرحم من يخافه، ولا يترك إحصاء معائب العدو، ويتفقد عثراتهم مع السكوت عن ثلبه، ولا يستضعف عدوا بحيلة، فإن من استضعف الأعداء اغتر، ومن اغتر لم يسلم، اللهم إلا أن يكون العدو ذليلا فإذا كان كذلك عطف عليه بالإغضاء; لأن العدو الذليل أهل أن يرحم، كما أن المستجير الخائف أهل أن يؤمن، والمعاداة للعاقل خير من المصافاة للجاهل.

وأنشدني الخلادي أنشدني أحمد بن محمد البكري :


ولأن يعادي عاقلا خير له     من أن يكون له صديق أحمق
فارغب بنفسك أن تصادق أحمقا     إن الصديق على الصديق مصدق



وأنشدني محمد بن عبد الله بن زنجي البغدادي :


أخلق بذي الصبر أن يحظى بحاجته     ومدمن القرع للأبواب أن يلجا
أبصر لرجلك قبل الخطو موضعها     فمن علا قلة عن غرة زلجا



قال أبو حاتم رضي الله عنه: العاقل يبصر موضع خطواته قبل أن يضعها، ثم يقارب عدوه بعض المقاربة، لينال حاجته، ولا يقاربه كل المقاربة فيجترأ عليه، والعاقل لا يعادي ما وجد إلى المحبة سبيلا، ولا يعادي من ليس له منه بد، ولا العدو الحنق الذي لا يطاق; فإنه ليس له حيلة إلا الهرب منه، وحيلة السبيل إلى القدرة على العدو وجود الغرة فيه، وأن يرى العدو أنه لا يتخذه عدوا، ثم يصادق أصدقاءه، فيدخل بينه وبينهم.

وأحزم الأمور في أمر العدو: أن لا يذكره بسوء إلا عند الفرصة، وإن من أيسر الظفر بالأعداء اشتغال بعضهم ببعض، وإن مما يستعين به المرء على عدوه: مجانبة من يعاشره، ويصحب عدوه.

[ ص: 96 ] أخبرني محمد بن سعيد القزاز حدثني أحمد بن زهير بن حرب قال: سمعت يحيى بن معين يقول: قال ابن السماك " لا تخف ممن تحذر، ولكن احذر ممن تأمن ".

وأنشدني علي بن محمد البسامي :


تمنيت أن أبقى معافى، وأن أرى     على من يناويني تدور الدوائر
فيصبح مخذولا، وأمسي سالما     إلى الله داع بالكفاية ناصر



سمعت محمد بن محمود يقول: سمعت علي بن خشرم يقول: سمعت الفضل بن موسى الشيباني يقول " كان صياد يصطاد العصافير في يوم ريح، قال: فجعلت الرياح تدخل في عينيه الغبار، فتذرفان، فكلما صاد عصفورا كسر جناحه وألقاه في ناموسه. فقال عصفور لصاحبه: ما أرقه علينا، ألا ترى إلى دموع عينيه؟ فقال له الآخر: لا تنظر إلى دموع عينيه، ولكن انظر إلى عمل يديه ".

قال أبو حاتم رضي الله عنه: العاقل لا يأمن عدوه على كل حال، إن كان بعيدا لم يأمن مغادرته، وإن كان قريبا لم يأمن مواثبته، والعاقل لا يخاطر بنفسه في الانتقام من عدوه: لأنه إن هلك في قصده قيل: أضاع نفسه، وإن ظفر قيل: القضاء فعله.

والمعاداة بعد الخلة فاحشة عظيمة، لا تليق بالعاقل ارتكابها فإن دفعه الوقت إلى ركوبها ترك للصلح موضعا.

وأنشدني بعض أهل الأدب لأبي الأسود الدؤلي :


وأحبب إذا أحببت حنا مقاربا     فإنك لا تدري: متى أنت نازع؟
[ ص: 97 ] وأبغض إذا أبغضت غير مجانب     فإنك لا تدري متى أنت راجع؟
وكن معدنا للحلم واصفح عن الأذى     فإنك راء ما عملت وسامع



وأنشدني منصور بن محمد الكريزي :


إذا أنت عاديت امرءا بعد خلة     فدع في غد للعود والصلح موضعا
فإنك إن نابذت من زل زلة     ظللت وحيدا لم تجد لك مفزعا



التالي السابق


الخدمات العلمية