والنكاح له ثلاثة أحوال :  
( 1 ) حال لزوم .  
( 2 ) وحال تحريم وفسخ ليس إلا ، كمن  أسلم وتحته من لا يجوز ابتداء العقد عليها      .  
( 3 ) وحال جواز ووقف ، وهي مرتبة بين المرتبتين لا يحكم فيها بلزوم النكاح ، ولا بانقطاعه بالكلية ، وفي هذه الحال تكون الزوجة بائنة من وجه دون وجه .  
ولما قدم   أبو العاص بن الربيع  المدينة   في زمن الهدنة ، وهو مشرك ، سألت امرأته   زينب بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم     - : هل ينزل في دارها ؟ فقال : إنه زوجك ، ولكن لا يصل إليك     .  
 [ ص: 651 ] فالنكاح في هذه المدة لا يحكم ببطلانه ، ولا بلزومه وبقائه من كل وجه ، ولهذا خير أمير المؤمنين المرأة تارة ، وفرق تارة ، وعرض الإسلام على الثاني تارة ، فلما أبى فرق بينهما ، ولم يفرق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين رجل وامرأته أسلم أحدهما قبل الآخر أصلا ، ولا في موضع واحد .  
قال  مالك     : قال   ابن شهاب     : كان بين إسلام   صفوان بن أمية  وامرأته  بنت الوليد بن المغيرة  نحو من شهر ، أسلمت يوم الفتح ، وبقي  صفوان  حتى شهد "  حنينا      " و "  الطائف      " ، وهو كافر ، ثم أسلم ، فلم يفرق النبي - صلى الله عليه وسلم - بينهما ، واستقرت عنده امرأته بذلك النكاح .  
 [ ص: 652 ] قال   ابن عبد البر     : وشهرة هذا الحديث أقوى من إسناده .  
 [ ص: 653 ] وقال   الزهري     : أسلمت  أم حكيم  يوم الفتح ، وهرب زوجها  عكرمة  حتى أتى اليمن ، فارتحلت حتى قدمت عليه  اليمن   ، فدعته إلى الإسلام ، فأسلم وقدم فبايع النبي - صلى الله عليه وسلم - فثبتا على نكاحهما .  
وقال  ابن شبرمة     :  كان الناس على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسلم الرجل قبل المرأة ، والمرأة قبل الرجل ، فأيهما أسلم قبل انقضاء عدة المرأة فهي امرأته ، فإن أسلم بعد العدة فلا نكاح بينهما     .  
 [ ص: 654 ] وأسلم  أبو سفيان  عام الفتح قبل دخول النبي - صلى الله عليه وسلم -  مكة   ، ولم تسلم امرأته  هند  حتى فتح النبي - صلى الله عليه وسلم -  مكة   فثبتا على نكاحهما  وخرج   أبو سفيان بن الحارث  وعبد الله بن [ أبي ] أمية  فلقيا      [ ص: 655 ] النبي - صلى الله عليه وسلم - عام الفتح " بالأبواء " فأسلما قبل نسائهما     .  
 [ ص: 656 ]  [ ص: 657 ] وقد ثبت  أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رد  زينب  ابنته على  أبي العاص  بالنكاح الأول بعد ست سنين     .  
قال  أبو داود     : حدثنا   عبد الله بن محمد النفيلي  ، ثنا   محمد بن سلمة  ، عن  محمد بن إسحاق  ، عن   داود بن الحصين  ، عن  عكرمة  ، عن   ابن عباس     :  أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رد  زينب  على  أبي العاص  بالنكاح الأول ، لم يحدث شيئا     .  
 [ ص: 658 ]  [ ص: 659 ] وفي لفظ له : بعد ست سنين .  
وفي لفظ : بعد سنتين .  
قال شيخ الإسلام : هذا هو الثابت عند أهل العلم بالحديث ، والذي روى أنه جدد النكاح ضعيف .  
قال : وكذلك كانت المرأة تسلم ، ثم يسلم زوجها بعدها ، والنكاح بحاله ، مثل   أم الفضل امرأة العباس بن عبد المطلب   ، فإنها أسلمت قبل  العباس  بمدة .  
قال   عبد الله بن عباس     : كنت أنا وأمي ممن عذر الله بقوله : (  إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان      )     .  
 [ ص: 660 ] ولما فتح النبي - صلى الله عليه وسلم -  مكة   أسلم نساء الطلقاء ، وتأخر إسلام جماعة منهم      [ ص: 661 ] مثل   صفوان بن أمية   وعكرمة بن أبي جهل  ، وغيرهما ، الشهرين والثلاثة وأكثر ، ولم يذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - فرقا بين ما قبل انقضاء العدة وما بعدها ، وقد أفتى   علي بن أبي طالب     - رضي الله عنه - بأنها ترد إليه ، وإن طال الزمان .  
 وعكرمة بن أبي جهل  قدم على النبي - صلى الله عليه وسلم -  المدينة   بعد رجوعه من حصار  الطائف   ، وقسم غنائم  حنين   في ذي القعدة ، وكان فتح  مكة   في رمضان ، فهذا نحو ثلاثة أشهر يمكن انقضاء العدة فيها ، وفيما      [ ص: 662 ] دونها ، فأبقاه على نكاحه ، ولم يسأل امرأته هل انقضت عدتك أم لا ؟ ولا سأل عن ذلك امرأة واحدة مع أن كثيرا منهن أسلم بعد مدة يجوز انقضاء العدة فيها ،   وصفوان ابن أمية  شهد مع النبي - صلى الله عليه وسلم - "  حنينا      " ، وهو مشرك ، وشهد معه "  الطائف      " كذلك إلى أن قسم غنائم "  حنين      " بعد الفتح بقريب من شهرين ، فإن  مكة   فتحت لعشر بقين من رمضان ، وغنائم (  حنين      ) قسمت في ذي القعدة ، ويجوز انقضاء العدة في مثل هذه المدة .  
قال : وبالجملة ، فتجديد رد المرأة على زوجها بانقضاء العدة لو كان هو شرعه الذي جاء به لكان هذا مما يجب بيانه للناس من قبل ذلك الوقت ، فإنهم أحوج ما كانوا إلى بيانه ، وهذا كله - مع حديث  زينب     - يدل على أن المرأة إذا أسلمت وامتنع زوجها من الإسلام فلها أن تتربص ، وتنتظر إسلامه ، فإذا اختارت أن تقيم منتظرة لإسلامه ، فإذا أسلم أقامت معه فلها ذلك ، كما كان النساء يفعلن في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم -  كزينب  ابنته وغيرها ، ولكن لا يمكنه من وطئها ، ولا حكم له عليها ، ولا نفقة ، ولا قسم ، والأمر في ذلك إليها لا إليه ، فليس هو في هذه الحال زوجا مالكا لعصمتها من كل وجه ، ولا يحتاج إذا أسلم إلى ابتداء عقد يحتاج فيه إلى ولي وشهود ومهر وعقد ، بل إسلامه بمنزلة قبوله للنكاح ، وانتظارها بمنزلة الإيجاب .  
وسر المسألة أن العقد في هذه المدة جائز لا لازم ، ولا محذور في ذلك ، ولا ضرر على الزوجة فيه ، ولا يناقض ذلك شيئا من قواعد الشرع .  
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					