قوله : ( والمعراج حق ، وقد  أسري بالنبي صلى الله عليه وسلم وعرج بشخصه في اليقظة   ، إلى السماء . ثم إلى حيث شاء الله من العلا وأكرمه الله بما شاء ، وأوحى إليه ما أوحى ، ما كذب الفؤاد ما رأى . فصلى الله عليه وسلم في الآخرة والأولى ) .  
ش : ( ( المعراج ) ) : مفعال ، من العروج ، أي الآلة التي يعرج فيها ، أي يصعد ، وهو بمنزلة السلم ، لكن لا نعلم كيف هو ، وحكمه كحكم غيره من المغيبات ، نؤمن به ولا نشتغل بكيفيته .  
وقوله : وقد أسري بالنبي صلى الله عليه وسلم وعرج بشخصه في اليقظة - اختلف الناس في الإسراء .  
فقيل :  كان الإسراء بروحه ولم يفقد جسده ، نقله   ابن إسحاق   [ ص: 271 ] عن  عائشة  ومعاوية  رضي الله عنهما ، ونقل عن   الحسن البصري  نحوه     . لكن ينبغي أن يعرف الفرق بين أن يقال : كان الإسراء مناما ، وبين أن يقال : كان بروحه دون جسده ، وبينهما فرق عظيم .  فعائشة  ومعاوية  رضي الله عنهما لم يقولا : كان مناما ، وإنما قالا : أسري بروحه ولم يفقد جسده ، وفرق ما بين الأمرين إذ ما يراه النائم قد يكون أمثالا مضروبة للمعلوم في الصورة المحسوسة ، فيرى كأنه قد عرج به إلى السماء ، وذهب به إلى  مكة   ، وروحه لم تصعد ولم تذهب ، وإنما ملك الرؤيا ضرب له المثال . فما أراد أن الإسراء مناما ، وإنما أراد أن الروح ذاتها أسري بها ، ففارقت الجسد ثم عادت إليه ، ويجعلان هذا من خصائصه ، فإن غيره لا تنال ذات روحه الصعود الكامل إلى السماء إلا بعد الموت .  
وقيل : كان الإسراء مرتين ، مرة يقظة ، ومرة مناما . وأصحاب هذا القول كأنهم أرادوا الجمع بين حديث  شريك  وقوله : ( ( ثم استيقظت ) ) وبين سائر الروايات .      [ ص: 272 ] وكذلك منهم من قال : بل كان مرتين ، مرة قبل الوحي ، ومرة بعده . ومنهم من قال : بل ثلاث مرات ، مرة قبل الوحي ، ومرتين بعده . وكلما اشتبه عليهم لفظ زادوا مرة ، للتوفيق ! وهذا يفعله ضعفاء أهل الحديث ، وإلا فالذي عليه أئمة النقل :  أن الإسراء كان مرة واحدة  بمكة   ، بعد البعثة ، قبل الهجرة بسنة ، وقيل : بسنة وشهرين ، ذكره   ابن عبد البر     .  
قال  شمس الدين ابن القيم     : يا عجبا لهؤلاء الذين زعموا أنه كان مرارا ! كيف ساغ لهم أن يظنوا أنه في كل مرة تفرض عليهم الصلوات خمسين ، ثم يتردد بين ربه وبين  موسى   حتى تصير      [ ص: 273 ] خمسا ، فيقول : أمضيت فريضتي وخففت عن عبادي ، ثم يعيدها في المرة الثانية إلى خمسين ، ثم يحطها إلى خمس ؟ ! وقد غلط الحفاظ  شريكا  في ألفاظ من حديث الإسراء ،  ومسلم  أورد المسند منه ، ثم قال : فقدم وأخر وزاد ونقص . ولم يسرد الحديث . وأجاد رحمه الله     . انتهى كلام  الشيخ شمس الدين  رحمه الله .  
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					