الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
724 - ( 3479 ) - حدثنا أبو بكر بن زنجويه ، حدثنا عبد الرزاق ، أخبرنا معمر ، عن ثابت ، عن أنس ، قال : لما افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر ، قال الحجاج بن علاط : يا رسول الله ، إن لي بمكة مالا ، وإن لي [ ص: 195 ] بها أهلا ، وإني أريد أن آتيهم ، فأنا في حل إن أنا نلت منك أو قلت شيئا ؟ فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقول ما شاء ، قال : فأتى امرأته حين قدم ، فقال : اجمعي ما كان عندك ، فإني أريد أن أشتري من غنائم محمد وأصحابه ، فإنهم قد استبيحوا وأصيبت أموالهم ، قال : وفشا ذلك بمكة ، فأوجع المسلمين ، وأظهر المشركون فرحا وسرورا ، وبلغ الخبر العباس بن عبد المطلب ، فعقر في مجلسه وجعل لا يستطيع أن يقوم .

قال معمر : فأخبرني الجزري ، عن مقسم ، قال : فأخذ العباس ابنا له يقال له : قثم ، وكان شبه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فاستلقى ، فوضعه على صدره ، وهو يقول :


حبي قثم شبيه ذي الأنف الأشم     بادي النعم
برغم أنف من رغم

قال معمر : قال ثابت : قال أنس : ثم أرسل غلاما له إلى [ ص: 196 ] الحجاج بن علاط ، فقال : ويلك ، ما جئت به ؟ وماذا تقول ؟ فما وعد الله خير مما جئت به ، قال الحجاج لغلامه : أقرئ أبا الفضل السلام ، وقل له : فليخل لي بعض بيوته لآتيه ، فإن الخبر على ما يسره ، فجاء غلامه ، فلما بلغ الباب ، قال : أبشر أبا الفضل ، فوثب العباس فرحا حتى قبل بين عينيه ، فأخبره بما قال الحجاج فأعتقه ، ثم جاء الحجاج فأخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد افتتح خيبر وغنم أموالهم ، وجرت سهام الله في أموالهم ، واصطفى رسول الله صلى الله عليه وسلم صفية بنت حيي ، واتخذها لنفسه ، وخيرها بين أن يعتقها فتكون زوجته ، وبين أن تلحق بأهلها ، فاختارت أن يعتقها وتكون زوجته ، ولكن جئت لما كان لي هاهنا ، أردت أن أجمعه وأذهب به ، فاستأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأذن لي أن أقول ما شئت ، فاخف علي ثلاثا ، ثم اذكر ما بدا لك .

قال : فجمعت امرأته ما كان عندها من حلي ومتاع فجمعته فدفعته إليه ، ثم استمر به ، فلما كان بعد ثلاث ، أتى العباس امرأة الحجاج ، فقال : ما فعل زوجك ؟ فأخبرته أنه قد ذهب ، وقالت : لا يحزنك الله يا أبا الفضل ، لقد شق علينا الذي بلغك ، قال : أجل ، لا يحزنني الله ، ولم يكن بحمد [ ص: 197 ] الله إلا ما أحببناه ، قد أخبرني الحجاج أن الله فتح خيبر على رسوله ، وجرت فيها سهام الله ، واصطفى رسول الله صلى الله عليه وسلم صفية لنفسه ، فإن كان لك حاجة في زوجك فالحقي به ، قالت : أظنك والله صادقا ، قال : فإني صادق ، والأمر على ما أخبرتك .

قال : ثم ذهب حتى أتى مجالس قريش ، وهم يقولون : لا يصيبك إلا خير يا أبا الفضل ، قال : لم يصبني إلا خير بحمد الله ، قد أخبرني الحجاج أن خيبر فتحها الله على رسوله ، وجرت فيها سهام الله ، واصطفى رسول الله صلى الله عليه وسلم صفية لنفسه ، وقد سألني أن أخفي عنه ثلاثا ، وإنما جاء ليأخذ ما كان له ثم يذهب .

قال : فرد الله الكآبة التي كانت بالمسلمين على المشركين ، وخرج من المسلمين من كان دخل بيته مكتئبا حتى أتوا العباس ، ورد الله ما كان من كآبة أو غيظ أو خزي على المشركين
 
.

التالي السابق


الخدمات العلمية