الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                                                                                          فصل في ذكر وفاته وسبب ذلك   :

                                                                                                                                                                                          قال أحمد بن منصور الشيرازي : لما (قدم ) أبو عبد الله البخاري بخارى نصبت له القباب على فرسخ من البلد ، واستقبله عامة أهل البلد حتى لم يبق مذكور ، ونثر عليه الدراهم والدنانير ، فبقي مدة ، ثم وقع بينه وبين الأمير ، فأمره بالخروج من بخارى فخرج إلى بيكند .

                                                                                                                                                                                          قرأت على أم الحسن بنت المنجا بدمشق ، عن أبي الفضل بن قدامة ، أن محمد بن عبد الواحد أخبرهم عن السلفي ، أنا أبو علي البرداني ، أنا هناد النسفي ، أنا غنجار ، سمعت أبا عمرو أحمد بن محمد بن عمر ، يقول : سمعت أبا سعيد بكر ابن منير ، يقول : بعث الأمير خالد بن أحمد الذهلي ، والي بخارى ، إلى محمد بن إسماعيل ، أن احمل إلي كتاب الجامع والتاريخ لأسمع منك ، فقال محمد بن إسماعيل للرسول ، قل له : أنا لا أذل العلم ، ولا أحمله إلى أبواب السلاطين ، فإن كانت له حاجة إلى شيء منه فليحضرني في مسجدي ، أو في داري ، فإن لم يعجبك هذا ، فأنت سلطان ، فامنعني من المجلس ، ليكون لي عذر عند الله يوم [ ص: 440 ] القيامة ، لأني لا أكتم العلم ، قال : فكان ذلك سبب الوحشة بينهما .

                                                                                                                                                                                          وقال الحاكم : سمعت محمد بن العباس الضبي ، يقول : سمعت أبا بكر بن أبي عمرو الحافظ ، يقول : كان سبب مفارقة أبي عبد الله البخاري البلد ، أن خالد بن أحمد ، أمير بخارى ، سأله أن يحضر عنده ، فيقرأ الجامع على أولاده ، فامتنع ، فاستعان خالد بحريث بن أبي الورقاء ، كبير أصحاب الرأي ، وبغيره ، حتى تكلموا في البخاري ، فأمر بإخراجه عن البلد ، قال : فدعا عليهم ، فقال : اللهم ! أرهم ما قصدوني به في أنفسهم وأولادهم ، وأهاليهم . قال : فأما خالد فلم يأت عليه إلا أقل من شهر ، حتى ورد أمر الظاهرية بعزله ، وأن ينادى عليه ، فنودي عليه ، وهو على أتان ، وأخرج على أكاف ، ثم صار أمره إلى الذل ، والحبس إلى أن مات ، وأما حريث ، فإنه ابتلي في أهله ، فرأى فيها ما يجل عن الوصف ، وأما فلان ، فأراه الله في أولاده البلايا .

                                                                                                                                                                                          وقال ابن عدي : سمعت عبد القدوس بن عبد الجبار السمرقندي ، يقول : خرج البخاري إلى خرتنك ، قرية من قرى سمرقند ، وكان له بها أقرباء ، فنزل عندهم . قال : فسمعته ليلة من الليالي ، وقد (فرغ ) من صلاة الليل ، يدعو ويقول في دعائه ، اللهم أنه قد ضاقت علي الأرض بما رحبت ، فاقبضني إليك ، فما تم الشهر حتى قبضه الله .

                                                                                                                                                                                          [ ص: 441 ] وقال محمد بن أبي حاتم ، وراق البخاري : سمعت أبا منصور غالب بن جبريل ، وهو الذي نزل عليه البخاري بخرتنك ، يقول : إنه أقام أياما فمرض ، واشتد به المرض ، حتى وجه إليه رسول من سمرقند ليخرج ، فلما وافى تهيأ للركوب ، ولبس خفيه ، وتعمم ، فلما مشى قدر عشرين خطوة ، أو نحوها ، وأنا آخذ بعضده ، ورجل آخر معي يقوده إلى الدابة ليركبها ، فقال رحمه الله : أرسلوني فقد ضعفت ، فدعا بدعوات ، ثم اضطجع ، فقضى ، فسال منه عرق كثير ، وكان أوصى أن يكفن في ثلاثة أثواب بيض ، ليس فيها قميص ، ولا عمامة . قال : ففعلنا ، فلما دفناه فاح من تراب قبره رائحة طيبة كالمسك ، ودامت أياما وجعل الناس يختلفون إلى القبر أياما ، يأخذون من ترابه إلى أن جعلنا عليه خشبا مشبكا .

                                                                                                                                                                                          وقال محمد بن محمد بن مكي الجرجاني : سمعت عبد الواحد بن آدم الطواويسي يقول : رأيت النبي ، صلى الله عليه وسلم ، في النوم ، ومعه جماعة من أصحابه ، وهو واقف في موضع ، فسلمت عليه ، فرد علي السلام ، فقلت : ما وقوفك يا رسول الله هنا؟ ! قال : أنتظر محمد بن إسماعيل ، فلما كان بعد أيام وبلغني موته ، فنظرت فإذا هو قد مات في الساعة التي رأيت فيها النبي ، صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                                                                                          قال مهيب بن سليم الكرميني ، (والحسن ) بن الحسين البزار ، مات ليلة السبت ، ليلة عيد الفطر ، سنة ست وخمسين ومائتين . وكذا أرخه ابن قانع ، وابن زبر وغير واحد ، قال الحسن : (وعاش ) اثنتين وستين سنة إلا ثلاثة عشر يوما ، رحمه الله تعالى .

                                                                                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                                                                                          الخدمات العلمية