الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                                                                                          قوله: في [33] باب قول الله تعالى: الحج أشهر معلومات .

                                                                                                                                                                                          وقال ابن عمر [رضي الله عنهما] : أشهر الحج  شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة.

                                                                                                                                                                                          [ ص: 58 ]

                                                                                                                                                                                          وقال ابن عباس [رضي الله عنهما] : "من السنة أن لا يحرم بالحج إلا في أشهر الحج".

                                                                                                                                                                                          وكره عثمان [رضي الله عنه] أن يحرم من خراسان أو كرمان. انتهى.

                                                                                                                                                                                          أما قول ابن عمر، فقال الدارقطني في السنن: حدثنا عبد الله بن محمد، ثنا عثمان هو ابن أبي شيبة ثنا يحيى بن زكريا، عن ورقاء، عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر، قال: "الحج أشهر معلومات، قال: شوال، وذو القعدة، وعشر من ذي الحجة".

                                                                                                                                                                                          رواه الطبري: عن ابن أبي غرزة، عن أبي نعيم، عن ورقاء مثله.

                                                                                                                                                                                          وقال مالك في الموطأ: عن عبد الله بن دينار، قال: سمعت عبد الله بن عمر يقول: "من اعتمر في أشهر الحج، في شوال، أو ذي القعدة، أو ذي الحجة قبل الحج، فقد استمتع، ووجب عليه الهدي، أو الصيام إن لم يجد هديا".

                                                                                                                                                                                          وقال البيهقي: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا الحسن بن علي بن عفان، ثنا عبد الله بن نمير، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر، قال: "الحج أشهر معلومات، قال: شوال، وذو القعدة، وعشر من ذي الحجة".

                                                                                                                                                                                          وأخبرنا به عاليا عبد الله بن عمر، قيل له: أخبركم إسماعيل بن إبراهيم [التفليسي] أن أبا الفرج بن الصيقل، أخبره: أنا عبد الله بن مسلم أنا أحمد بن [ ص: 59 ] محمد، أنا أحمد بن محمد، أنا (أحمد بن محمد) ، أنا عبد الله بن محمد، ثنا عباس بن الوليد، ثنا حماد، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، أن ابن عمر، قال مثله.

                                                                                                                                                                                          وأما قول ابن عباس، فقرأت على فاطمة بنت المنجا، عن إسماعيل بن يوسف، أن عبد الله بن عمر بن علي، أخبره، أنا أبو المعالي بن اللحاس، عن علي بن أحمد بن البسري، أن محمد بن عبد الرحمن [المخلص] ، أخبره: أنا أبو القاسم بن بنت منيع، ثنا سويد، ثنا علي هو ابن مسهر، عن الحجاج، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس، قال: "إن من السنة أن لا يحرم بالحج إلا في أشهر الحج".  

                                                                                                                                                                                          وقال الدارقطني في السنن: حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز، ثنا عثمان بن أبي شيبة، ثنا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة، عن الحجاج، عن الحكم، عن أبي القاسم، عن ابن عباس، قال: "إن من سنة الحج أن لا يحرم بالحج إلا في أشهر الحج" تابعه شعبة وحمزة الزيات.

                                                                                                                                                                                          أما حديث حمزة، فقال الدارقطني: حدثنا عبد الباقي بن قانع وآخرون، قالوا: ثنا محمد بن عثمان، ثنا الحسن بن سهل، ثنا مصعب بن سلام، عن حمزة الزيات، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس، "في الرجل يحرم بالحج في غير أشهر الحج؟ فقال: ليس ذلك من السنة".

                                                                                                                                                                                          [ ص: 60 ]

                                                                                                                                                                                          وقال البيهقي: أخبرنا أبو زكريا بن أبي إسحاق، أنا دعلج بن أحمد السجزي، ببغداد، ثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة، مثله.

                                                                                                                                                                                          وأما حديث شعبة، فرواه ابن خزيمة في صحيحه، قال: حدثنا محمد بن العلاء بن كريب، ثنا أبو خالد الأحمر بن شعبة بن الحجاج، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس، قال: "لا يحرم بالحج إلا في أشهر الحج، فإن من سنة الحج، أن يحرم بالحج في أشهر الحج".

                                                                                                                                                                                          ورواه الحاكم في المستدرك، عن علي بن حمشاذ وغيره، عن ابن خزيمة به. وقال: صحيح على شرطهما ولم يخرجاه.

                                                                                                                                                                                          ونقل عن العاقط أبي محمد السبيعي أنه أنكره.

                                                                                                                                                                                          وقال: إنما رواه الناس عن أبي خالد عن الحجاج بن أرطاة عن الحكم.

                                                                                                                                                                                          وقال البيهقي في السنن الكبير: أنا أبو عبد الله الحافظ، ثنا علي بن حمشاذ العدل، وأبو الحسين أحمد بن محمد بن جعفر البحيري، إملاء، قالا: ثنا محمد بن إسحاق بن خزيمة، ثنا أبو كريب، فذكره سواء.

                                                                                                                                                                                          قلت: وله طريق أخرى، فقال ابن جرير: حدثنا المثنى، ثنا أبو صالح، حدثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس، قال: "لا يصلح أن يحرم أحد بالحج إلا في أشهر الحج، والعمرة يحرم بها في كل شهر".

                                                                                                                                                                                          [ ص: 61 ]

                                                                                                                                                                                          وأما رأي عثمان، فقال البيهقي في السنن الكبير: أنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرني أحمد بن الحسين القاضي، ببخارى، أنا أبو بكر أحمد بن محمد بن بسطام المروزي، ثنا أحمد بن سياد الفقيه، قال: قرئ على الحسن بن إسحاق عن سليمان بن صالح، قال: ذكر مسلم بن محارب، عن داود بن أبي هند، "أن عبد الله بن عامر بن كريز حين فتح خراسان، قال: لأجعلن شكري لله أن أخرج من موضعي محرما، فأحرم من نيسابور، فلما قدم على عثمان، لامه على ما صنع، وقال: ليتك تضبط من الوقت الذي يحرم منه الناس".

                                                                                                                                                                                          قال البيهقي هو: عن عثمان مشهور، وإن كان الإسناد منقطعا.

                                                                                                                                                                                          قلت: وانقطاعه لأن داود بن أبي هند لم يدرك القصة، ولم يسندها و(لكن) قد اعتضد بمجيئه من وجه آخر.

                                                                                                                                                                                          قال البيهقي: أنا أبو الحسين بن الفضل، أنا عبد الله بن جعفر، ثنا يعقوب بن سفيان الفسوي، حدثني عمار بن الحسن، ثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق، قال: ثم خرج عبد الله بن عامر من نيسابور معتمرا، قد أحرم منها، وخلف على خراسان الأحنف بن قيس، فلما قضى عمرته أتى عثمان بن عفان، وذلك في السنة التي قتل فيها عثمان [رضي الله عنه] ، فقال له عثمان رضي الله عنه: لقد غررت بعمرتك حين أحرمت من نيسابور.

                                                                                                                                                                                          قلت: وله طريق أقرب اتصالا من هذين الطريقين.

                                                                                                                                                                                          قال سعيد بن منصور في سننه: ثنا هشيم، ثنا يونس بن عبيد، وقال أبو بكر في المصنف، ثنا عبد الأعلى، عن يونس، أنا الحسن، أن عبد الله بن عامر أحرم من خراسان، فلما قدم على عثمان لامه فيما صنع وكرهه.. انتهى.

                                                                                                                                                                                          [ ص: 62 ]

                                                                                                                                                                                          وهذا إسناد قوي، فقد ثبت أن الحسن شهد الدار، وهو غلام، وسبق في خبر ابن إسحاق أن قصة ابن عامر كانت في سنة قتل عثمان، فلا يبعد أن يكون الحسن حفظ القصة، والله أعلم.

                                                                                                                                                                                          وقال عبد الرزاق في جامعه: أنا معمر، عن أيوب، عن ابن سيرين، قال: أحرم عبد الله بن عامر من خراسان، فقدم على عثمان فلامه، وقال: غررت، وهان عليك نسكك.

                                                                                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                                                                                          الخدمات العلمية