[ ص: 85 ] 1844 - وبإسناده، عن سليم بن عامر، أن حدثهم أن رجلين تحابا في الله جبير بن نفير، بحمص في خلافة فأرسل إليهما فيمن أرسل إليه من أهل عمر بن الخطاب، حمص، وكانا قد اكتتبا من اليهود ملء صفينة، فأخذاها معهما، يستفتيان فيها أمير المؤمنين، ويقولان: إن رضيها لنا أمير المؤمنين ازددنا فيها رغبة، وإن نهانا عنها رفضناها، فلما قدما على أمير المؤمنين قالا: فقال: لعلكما اكتتبتم منهم شيئا؟ قالا: لا، قال: سأحدثكما، إني انطلقت في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتيت يا أمير المؤمنين إنا بأرض فيها أهل الكتابين، وإنا نسمع منهم كلاما تقشعر منه جلودنا، فنأخذ منه أم نترك؟ خيبر، فوجدت يهوديا يقول قولا فأعجبني، فقلت: هل أنت مكتبي مما تقول؟ فقال: نعم، فأتيته بأديم ثنية أو جذعة، فجعل يملي علي حتى كتبت في الأكرع رغبة في قوله، فلما رجعت قلت: يا نبي الله إني أتيت يهوديا، يقول قولا لم أسمع مثله بعدك، قال: "فلعلك اكتتبت منه؟" فقلت: نعم، فقال: "ائتني به" ، فانطلقت أرغب عن المشي رجاء أن أكون جئت نبي الله صلى الله عليه وسلم ببعض ما يحب، فلما أتيته به قال: "اجلس اقرأه علي" فقرأت ساعة، ثم نظرت إلى وجهه، فإذا هو يتلون، فخرت من الفرق، فما استطعت أجيز منه حرفا، فلما رأى الذي بي دفعته إليه، ثم جعل يتتبعه رسما فيمحوه بريقه وهو يقول: "لا تتبعوا هؤلاء قد هوكوا وتهوكوا" حتى محا آخره حرفا، ثم قال عمر: فلو أعلم أنكما اكتتبتما منهم شيئا، جعلتكما نكالا لهذه الأمة، فقالا: والله لا نكتب منهم شيئا أبدا، فخرجا بصفنتهما، فحفرا لها في الأرض، فلم يألوا أن يعمقا فدفناها، فكان آخر العهد منهما".