وقوله: أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله أولئك في ضلال مبين الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله ذلك هدى الله يهدي به من يشاء ومن يضلل الله فما له من هاد أفمن يتقي بوجهه سوء العذاب يوم القيامة وقيل للظالمين ذوقوا ما كنتم تكسبون
[ ص: 577 ] أفمن شرح الله صدره للإسلام أي: وسعه لقبول الحق، روي عن ، أنه قال: ابن مسعود تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية، فقالوا: يا رسول الله، وما هذا الشرح؟ قال: "نور يقذفه الله في القلب فينفسح له القلب"، فقيل له: فهل لذلك من أمارة؟ قال: "نعم"، قيل: وما هي؟ قال: "الإنابة إلى دار الخلود، والتجافي عن دار الغرور، والاستعداد للموت قبل لقاء الموت" .
وقوله: فهو على نور من ربه قال : النور كتاب الله عز وجل، به يأخذ وإليه ينتهي، وقال قتادة ، عن عطاء : فهو على يقين من ربه، وقال ابن عباس : تقدير الآية: أفمن شرح الله صدره للإسلام كمن طبع على قلبه فلم يهتد لقسوته؟ ودل على هذا المحذوف قوله: الزجاج فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله قال : نزلت في النبي صلى الله عليه وسلم مقاتل وأبي جهل ، لعنه الله، وقال : نزلت في عطاء علي وحمزة وأبي لهب وولده.
[ ص: 578 ] وقوله: من ذكر الله قال ، الفراء : عن ذكر الله، كما تقول: أتخمت من طعام أكلته، وعن طعام أكلته، سواء، والمعنى أنه غلظ قلبه وصفا عن قبول ذكر الله تعالى، أولئك أي: القاسية قلوبهم، والزجاج في ضلال مبين .
قوله تعالى: الله نزل أحسن الحديث يعني القرآن، وسمي حديثا لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحدث قومه ويخبرهم بما نزل عليه منه، وقوله: كتابا متشابها أي: يشبه بعضه بعضا، ويصدق بعضه بعضا، ليس فيه اختلاف ولا تناقض، تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم خوفا مما في القرآن من الوعيد، ومعنى تقشعر: تأخذهم قشعريرة، وهي تغير يحدث في جلد الإنسان عند الوجل والخوف.