قوله: قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة وأنتم لا تشعرون أن تقول نفس يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله وإن كنت لمن الساخرين أو تقول لو أن الله هداني لكنت من المتقين أو تقول حين ترى العذاب لو أن لي كرة فأكون من المحسنين بلى قد جاءتك آياتي فكذبت بها واستكبرت وكنت من الكافرين
قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم المفسرون كلهم قالوا: إن هذه الآية نزلت في قوم خافوا إن أسلموا أن لا يغفر لهم ما جنوا من الذنوب العظام كالشرك، وقتل النفس، ومعاداة النبي صلى الله عليه وسلم، والقتال ضده، والزنا، فأنزل الله تعالى هذه الآية، وفرح النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الآية، ورآها أصحابه من أوسع الآيات [ ص: 587 ] في مغفرة الذنوب.
أخبرنا أبو القاسم السراج ، أنا أبو الحسن محمد بن محمد بن الحسن ، أنا ، أنا علي بن عبد العزيز ، أنا القاسم بن سلام حجاج ، أنا ، حدثني عبد الملك بن جريج ، أنه سمع يعلى بن مسلم يحدث، عن سعيد بن جبير : ابن عباس محمدا ، صلى الله عليه وسلم، فقالوا: إن الذي تدعو إليه لحسن، لو تخبرنا أن لما عملناه كفارة، فنزلت هذه الآية أن ناسا من أهل الشرك كانوا قد قتلوا فأكثروا، وزنوا فأكثروا، ثم أتوا ومعنى أسرفوا على أنفسهم أي: بالشرك والزنا وإراقة الدماء. لا تقنطوا من رحمة الله وذلك أنهم ظنوا أنه لا توبة لهم، إن الله يغفر الذنوب جميعا وعد بغفران الذنوب وإن كثرت.
أخبرنا إسماعيل بن أبي القاسم النصراباذي ، أنا أبو حامد أحمد بن محمد بن شارك ، أنا ، نا زكريا بن يحيى الساجي ، نا عبد الأعلى بن حماد ، عن حماد بن سلمة ، عن ثابت البناني ، عن شهر بن حوشب ، أنها أسماء بنت يزيد يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا ولا يبالي به إنه هو الغفور الرحيم سمعت النبي، صلى الله عليه وسلم، يقرأ: .
أخبرنا أبو بكر أحمد بن محمد الحافظ ، أنا أبو بكر محمد بن [ ص: 588 ] حشيش العدل ، نا أبو حامد محمد بن هارون الحضرمي ، نا محمد بن منصور ، نا ، نا حجاج بن محمد ، عن ابن لهيعة ، قال: سمعت أبي قبيل ، يقول: حدثني أبا عبد الرحمن المقرئ أبو عبد الله الجبلاني ، أنه سمع ، يقول: ثوبان مولى رسول الله، صلى الله عليه وسلم يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: ما أحب أن لي الدنيا وما فيها بهذه الآية: .
ثم دعاهم إلى التوبة فقال: وأنيبوا إلى ربكم أي: ارجعوا من الشرك والذنوب إلى الله تعالى فوحدوه، وأسلموا له وأخلصوا له التوحيد، من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون لا تمنعون من عذاب الله.
واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم يعني القرآن، يقول: أحلوا حلاله وحرموا حرامه، وقال : الأحسن ما أمر الله به في كتابه. السدي من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة يريد الموت، وذلك أنهم يموتون بغتة فيقعون في العذاب، وهو قوله: وأنتم لا تشعرون أن تقول نفس قال : أي بادروا خوف أن تقول، وحذرا من أن تقول نفس، وقال المبرد : خوف أن تصيروا إلى حال تقولون فيها هذا القول. الزجاج يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله قال : الجنب القرب، أي: في قرب الله وجواره، والجنب [ ص: 589 ] بمعنى القرب كثير في الكلام، يقال: فلان يعيش في جنب فلان، أي في قربه وجواره، ومنه قوله تعالى: الفراء والصاحب بالجنب والمعنى على هذا القول: على ما فرطت في طلب جنب الله، أي: في طلب جواره وقربه، وهو الجنة. وهذا معنى قول ابن الأعرابي في قرب الله من الجنة، وقال : أي فرطت في الطريق الذي هو طريق الله من توحيده والإقرار بنبوة رسوله صلى الله عليه وسلم، وعلى هذا: الجنب بمعنى الجانب، أي: قصرت في الجانب الذي يؤدي إلى رضا الله عز وجل. الزجاج
والمفسرون ذكروا هذه المعاني، فقال ، عن عطاء : ضيعت في ثواب الله، وقال ابن عباس ، مجاهد : في أمر الله، وقال والسدي : في طاعة الله. الحسن وإن كنت لمن الساخرين أي: وما كنت إلا من المستهزئين بالقرآن وبالمؤمنين في الدنيا، أو تقول: لو أن الله هداني أرشدني إلى دينه، لكنت من المتقين الشرك.
أو تقول حين ترى العذاب مشاهدة وعيانا: لو أن لي كرة رجعة إلى الدنيا، فأكون من المحسنين الموحدين، ثم يقال لهذا القائل: بلى قد جاءتك آياتي يعني القرآن، فكذبت بها واستكبرت قلت: إنها ليست من الله تعالى، "واستكبرت" تكبرت عن الإيمان بها.