الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      أخبرنا أبو الفتح محمد بن علي الكوفي الصوفي ، أنا أبو القاسم المؤمل بن أحمد الشيباني ، نا يحيى بن صاعد ، نا عمرو بن علي ، نا يزيد بن زريع ، نا شعبة ، عن عبد الملك بن ميسرة ، عن طاوس ، قال : سأل رجل ابن عباس عن هذه الآية : قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى فقال سعيد بن جبير : قربى آل محمد صلى الله عليه وسلم ، فقال ابن عباس : عجبت أنه لم يكن بطن من بطون قريش إلا ولرسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم قرابة ، وإنما قال : قل لا أسألكم أجرا إلا أن تصلوا ما بيني وبينكم من القرابة .

                                                                                                                                                                                                                                      رواه البخاري ، عن بندار ، عن شعبة .

                                                                                                                                                                                                                                      وقال الشعبي : أكثر الناس علينا في هذه الآية ، فكتبنا إلى ابن عباس فسأله ، فكتب ابن عباس : "إن رسول الله كان أوسط النسب في قريش ، ليس بطن من بطونهم إلا وقد ولدوه ، فقال الله تعالى : قل لا أسألكم على ما أدعوكم إليه أجرا إلا أن تودوني في قرابتي منكم ، وتحفظوني لها .

                                                                                                                                                                                                                                      وقال عكرمة : لا أسألكم أجرا على ما أدعوكم إليه من الحق ، إلا أن تحفظوني في قرابتي بيني وبينكم ، قال : وليس كما يقول الكذابون .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 51 ] أخبرنا محمد بن عبد العزيز المروزي فيما كتب إلي ، أنا محمد بن الحسين الحدادي ، أنا محمد بن يزيد بن يحيى ، أنا إسحاق بن إبراهيم ، أنا علي بن عبد الله مولى بني قراد ، عن عبد الكريم وهو أبو أمية ، قال : سألت مجاهدا عن هذه الآية ، فقال : " أما إني لا أقول قول الخشبية ، يقول : يا معشر قريش ، لا أسألكم على ما أقول أجرا ، ارقبوني في الذي بيني وبينكم ، لا تعجلوا إلي ، ودعوني والناس" .

                                                                                                                                                                                                                                      وهذا قول قتادة ، ومقاتل ، والسدي ، والضحاك ، وابن زيد ، ورواية الوالبي ، والعوفي ، عن ابن عباس .

                                                                                                                                                                                                                                      وقال الحسن : إلا أن توددوا إلى الله تعالى ، فيما يقربكم إليه من العمل الصالح .

                                                                                                                                                                                                                                      أخبرنا أبو القاسم بن عبدان ، نا محمد بن عبد الله الضبي ، حدثني علي بن حمشاذ ، نا محمد بن شاذان الجوهري ، نا حسن بن موسى الأشيب ، نا قزعة بن سويد ، نا ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، عن ابن عباس ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : " لا أسألكم على ما آتيتكم من البينات والهدى أجرا إلا أن توادوا الله وأن تتقربوا إليه بطاعته "   .

                                                                                                                                                                                                                                      وفي الآية قول ثالث :

                                                                                                                                                                                                                                      أخبرنا أبو حسان المزكي ، أنا أبو العباس محمد بن إسحاق ، نا الحسن بن علي بن زياد السدي ، نا [ ص: 52 ] يحيى بن عبد الحميد الحماني ، نا حسين الأشقر ، نا قيس ، نا الأعمش ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : " لما نزلت قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ، قالوا : يا رسول الله ، من هؤلاء الذين يأمرنا الله تعالى مودتهم ؟ قال : علي وفاطمة وولديهما" .  

                                                                                                                                                                                                                                      أخبرنا أبو بكر بن الحارث ، أنا أبو الشيخ ، نا عبد الله بن محمد بن زكريا ، نا إسماعيل بن زيد ، نا قتيبة بن مهران ، [ ص: 53 ] نا عبد الغفور أبو الصباح ، عن أبي هاشم الرماني ، عن زاذان ، عن علي رضي الله عنه ، قال : فينا في آل حم آية لا يحفظ مودتنا إلا كل مؤمن ، ثم قرأ : قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى  وقال الكلبي : قل لا أسألكم على الإيمان جعلا ، إلا أن تودوا أقاربي ، حث الله تعالى الناس عن ذوي قرابته .  

                                                                                                                                                                                                                                      وعلى الأقوال كلها قول : إلا المودة استثناء ليس من الأول ، وليس المعنى أسألكم المودة في القربى ؛ لأن الأنبياء عليهم السلام لا يسألون أجرا على تبليغ الرسالة ،  والمعنى : ولكني أذكركم المودة في القربى ، وأذكركم قرابتي منكم ، وغلط من قال : إن هذه الآية نسخت ، بقوله : قل ما سألتكم من أجر فهو لكم ، وقوله : قل ما أسألكم عليه من أجر لأنه لا يصح أن يقال : نسخت مودة النبي صلى الله عليه وسلم ، وكف الأذى عنه لأجل قرابته ، ولا مودة آله وأقاربه ، ولا التقرب إلى الله بالطاعة ، ومن ادعى النسخ ، توهم أن الاستثناء متصل ، ورأى إبطال الأجر في هاتين الآيتين ، وليس الأمر على ذلك ، فإن الاستثناء منقطع ، ولا تنافي بين هذه الآية ، والآيتين الأخريين ، وقوله : ومن يقترف حسنة قال مقاتل : يكتسب حسنة واحدة .

                                                                                                                                                                                                                                      نزد له فيها حسنا نضاعفها بالواحدة عشرا فصاعدا ، إن الله غفور للذنوب ، شكور للقليل حتى يضاعفه .

                                                                                                                                                                                                                                      أم يقولون بل أيقولون ، يعني : كفار مكة ، افترى على الله كذبا حين زعم أن القرآن من عند الله ، فإن يشإ الله يختم على قلبك يربط على قلبك ، بالصبر على أذاهم ، حتى لا يشق عليك قولهم : إنه مفتر .

                                                                                                                                                                                                                                      ثم أخبر أنه يذهب ما يقولونه باطلا ، فقال : ويمح الله الباطل ويحق الحق أي : الإسلام ، بكلماته بما أنزله من كتابه ، وقد فعل الله ذلك ، فأزهق باطلهم ، وأعلى كلمة الإسلام ، إنه عليم بذات الصدور بما في قلوب خلقه .

                                                                                                                                                                                                                                      وهو الذي يقبل التوبة عن عباده قال ابن عباس : يريد أولياءه ، وأهل طاعته .

                                                                                                                                                                                                                                      ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون من خير وشر ، ومن قرأ بالتاء فهو خطاب للمشركين ، وتهديد لهم .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله : ويستجيب الذين آمنوا وعملوا [ ص: 54 ] الصالحات يجيبهم إلى ما يسألونه ، وقال عطاء ، عن ابن عباس : يثبت الله الذين آمنوا ، ويزيدهم من فضله سوى ثواب أعمالهم ، تفضلا عليهم .

                                                                                                                                                                                                                                      وقال أبو صالح عنه : يشفعهم في إخوانهم .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية