الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره متاعا بالمعروف حقا على المحسنين  وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم إلا أن يعفون أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح وأن تعفوا أقرب للتقوى ولا تنسوا الفضل بينكم إن الله بما تعملون بصير  

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن الآية، قال الزجاج: أعلم الله تعالى في هذه الآية أن عقد التزويج بغير مهر  جائز، وأنه لا إثم على من طلق من تزوج بها بغير مهر، كما أنه لا إثم على من طلق من تزوج بها بمهر.

                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن عباس في رواية الوالبي في قوله: ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة قال: "المس": النكاح، و "الفريضة": الصداق، ومعنى تفرضوا لهن فريضة : توجبوا لهن صداقا.

                                                                                                                                                                                                                                      وأو ها هنا بمعنى "الواو" كقوله: إلى مائة ألف أو يزيدون ، وقال عطاء بن يسار، عن ابن عباس في الرجل يطلق امرأته قبل أن يدخل بها ولم يفرض لها، قال: ليس لها إلا المتاع، وهو قوله: ومتعوهن أي: أعطوهن ما يتمتعن به.

                                                                                                                                                                                                                                      والمطلقة قبل الجماع وقبل تسمية المهر:  مستحقة للمتعة بالإجماع من العلماء، ولا مهر لها.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: على الموسع وهو الذي في سعة من غناه، يقال: أوسع الرجل، إذا كثر ماله واتسعت حاله.

                                                                                                                                                                                                                                      قدره أي: قدر إمكانه وطاقته، وعلى المقتر وهو المقل الفقير، يقال: أقتر الرجل، إذا افتقر.

                                                                                                                                                                                                                                      قدره وقرئ بتحريك الدال، وهما لغتان، يقال: هذا قدر هذا وقدره، واحمل قدر ما تطيق، وقدر ما تطيق.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 348 ] والمتعة غير مقدرة، وهي كما قال الله تعالى: على الغني قدر إمكانه وعلى الفقير قدر طاقته.

                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن عباس والزهري والشعبي والربيع: أعلاها خادم وأوسطها ثلاثة أثواب: درع وخمار وإزار، ودون ذلك وقاية، أو شيء من الورق، وهذا مذهب الشافعي رحمه الله، قال: أعلاها، على الموسع، خادم، وأوسطها: ثوب، وأقلها: أقل ما له ثمن، قال: وحسن ثلاثون درهما.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: متاعا بالمعروف أي: متعوهن متاعا بما تعرفون أنه القصد وقدر الإمكان، وقوله: حقا على المحسنين أي: حق ذلك عليهم حقا، بمعنى: وجب.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله تعالى: وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن الآية، المرأة إذا طلقت بعد تسمية المهر وقبل الدخول  فالواجب لها نصف المهر، لقوله تعالى: فنصف ما فرضتم قال ابن عباس في هذه الآية: لها نصف صداقها، ليس لها أكثر من ذلك.

                                                                                                                                                                                                                                      وقال ابن مسعود: لها نصف الصداق ما لم يجامعها، وإن جلس بين رجليها.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: إلا أن يعفون يعني: النساء يتركن ذلك النصف الواجب لهن فلا يطالبن الأزواج به.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح يعني الزوج، في قول علي، ومجاهد، والضحاك، والحسن، ومقاتل بن حيان، وابن سيرين، وشريح، وابن عباس في رواية عمار بن أبي عمار.

                                                                                                                                                                                                                                      وعفو الزوج: أن يعطيها الصداق كاملا.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 349 ] ولما ذكر الله تعالى عفو المرأة عن النصف الواجب ذكر عفو الزوج عن النصف الساقط، فيستحسن لها أن تعفو ولا تطالبه بشيء، وللرجل أن يعفو ويوفي لها المهر كاملا.

                                                                                                                                                                                                                                      أخبرنا أبو بكر الحارثي، أخبرنا أبو الشيخ الحافظ، حدثنا أبو يحيى الرازي، حدثنا سهل بن عثمان العسكري، حدثنا يحيى بن أبي زائدة، عن محمد بن عمرو، عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب، قال: طلق جبير بن مطعم امرأته قبل أن يدخل بها، فأعطاها الصداق كاملا،  وقال: أنا أحق بالعفو منها وقوله: وأن تعفوا أقرب للتقوى هذا خطاب للرجال والنساء جميعا، ومعناه: وعفو بعضكم عن بعض أدعى إلى اتقاء معاصي الله ؛ لأن هذا العفو ندب، فإذا انتدب إليه علم أنه لما كان فرضا كان أشد استعمالا.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: ولا تنسوا الفضل بينكم قال ابن عباس: لا تتركوا أن يتفضل بعضكم على بعض، وهذا حث من الله تعالى للزوج والمرأة على الفضل والإحسان،  وأمر لهما جميعا أن يستبقا إلى العفو.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية