وأراد بـالوارث: من كان عصبته كائنا من كان من الرجال في قول عمر بن الخطاب والحسن ومجاهد وعطاء وسفيان.
وقال آخرون: أراد بـالوارث: الصبي نفسه الذي هو وارث أبيه المتوفى، عليه أجر رضاعه من ماله إن كان له مال، فإن لم يكن له مال أجبرت أمه على رضاعه، ولا يجبر على نفقة الصبي إلا الوالدان، وهو قول مالك والشافعي.
وقوله: فإن أرادا يعني: الوالدان، فصالا فطاما للولد، عن تراض منهما يعني: قبل الحولين، وتشاور معنى "التشاور": استخراج الرأي، وكذلك المشورة والمشورة، ومنه يقال: شرت العسل، إذا استخرجته.
والمعنى: أنهما فلا بأس إذا كان الولد قويا. إن تشاورا وتراضيا على الفطام قبل الحولين
[ ص: 343 ] وقوله: وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم أي: لأولادكم، وحذفت اللام اكتفاء بدلالة الاسترضاع ؛ لأنه لا يكون إلا للأولاد، والمعنى: وإن أردتم أن تسترضعوا لأولادكم مراضع غير الوالدة، فلا جناح عليكم فلا إثم عليكم، إذا سلمتم ما آتيتم بالمعروف قال مجاهد إذا سلمتم إلى الأم أجرتها بمقدار ما أرضعت. والسدي:
وقرأ ابن كثير ما أتيتم بقصر الألف، ومعناه: ما فعلتم، يقال: أتيت جميلا.
أي: فعلته، قال زهير:
وما يك من خير أتوه فإنما توارثه آباء آبائهم قبل
يعني: فعلوه وقصدوه.ويكون التسليم على هذه القراءة بمعنى الطاعة والانقياد، لا بمعنى تسليم الأجرة، والمعنى: إذا سلمتم للاسترضاع عن تراض واتفاق.
وهذا معنى قول في رواية ابن عباس قال: إذا سلمت أمه ورضي أبوه، لعل له غنى يشتري له مرضعا. عطاء،
ثم أوصى بالتقوى فقال: واتقوا الله واعلموا أن الله بما تعملون بصير أي: فلا يترك جزاء شيء من أعمالكم ؛ لأنه بصير بها.
قوله تعالى: والذين يتوفون منكم أي: يموتون ويقبضون، ومعنى التوفي: أخذ الشيء وافيا، يقال: توفى الشيء واستوفاه.
ويذرون يتركون، ولا يستعمل منه الماضي ولا المصدر ومثله، أيضا، يدع في رفض مصدره وماضيه.
وقوله: أزواجا أي: نساء، يتربصن بأنفسهن أي: ينتظرن ويحبسن أنفسهن عن التزوج، أربعة أشهر وعشرا ومعنى الآية: بيان وأنها تعتد من حين وفاة الزوج أربعة أشهر وعشرا، وذكرت العشر بلفظ التأنيث، والمراد بها: الأيام، تغليبا لليالي على الأيام، وذلك أن ابتداء الشهر يكون بالليل. [ ص: 344 ] عدة المتوفى عنها زوجها،
قال يقولون: صمنا خمسا من الشهر، فيغلبون الليالي على الأيام ؛ لأن ليلة كل يوم قبله. ابن السكيت:
وهذه الآية ناسخة لقوله: متاعا إلى الحول .
أخبرنا أبو القاسم السراج، حدثنا محمد بن يعقوب المعقلي، حدثنا العباسي الدوري، حدثنا حدثنا شبابة بن سوار، عن شعبة، حميد بن نافع، عن أمها زينب بنت أبي سلمة، " أن أم سلمة: فقال: قد كانت إحداكن تمكث في شر أحلاسها في بيتها حولا كاملا، فإذا مر كلب رمت ببعرة، ثم خرجت، أفلا أربعة أشهر وعشرا "؟ امرأة توفي عنها زوجها، واشتكت عينها حتى خشي عليها فسألت النبي صلى الله عليه وسلم: أنكتحل؟ ، رواه عن عن آدم، عن البخاري، ورواه شعبة، عن مسلم، عن محمد بن المثنى، عن شعبة [ ص: 345 ] . غندر،
أخبرنا أبو طاهر الزيادي، قال: حدثنا أبو الطيب محمد بن المبارك الشعيري، حدثنا محمد بن أشرس السلمي، حدثنا إبراهيم بن سليمان الزيات، عن بحر بن كنيز السقاء، عن عن الزهري، عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، رضي الله عنها: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: عائشة "لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد فوق ثلاثة أيام إلا على زوج، فإنها تحد على الزوج أربعة أشهر وعشرا" . عن
وقوله: فإذا بلغن أجلهن فلا جناح عليكم يخاطب الأولياء ؛ لأن فذكر أنهن إذا انقضت عدتهن لا جناح على الأولياء في تخلية سبيلهن، فيما فعلن ليفعلن، الرجال قوامون على النساء، في أنفسهن بالمعروف ما يرون من تزوج الأكفاء بإذن الأولياء، وهذا تفسير "المعروف" ؛ لأن التي تزوج نفسها سماها النبي صلى الله عليه وسلم زانية.
قوله: ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء .
"التعريض": ضد التصريح، وهو أن تضمن الكلام دلالة على ما تريد.
يقال: خطب فلان فلانة، إذا أراد أن يتزوجها. و "الخطبة": التماس النكاح،
[ ص: 346 ] قال المفسرون: معنى أن يقول لها، وهي في عدة الوفاة: إنك لجميلة، وإنك لصالحة، وإنك لنافقة، وإن من عزمي أن أتزوج، وإني فيك لراغب، وما أشبه هذا الكلام. التعريض بالخطبة:
قوله: أو أكننتم في أنفسكم أي: أسررتم وأضمرتم من خطبتهن.
قال هو إسرار العزم على النكاح دون إظهار. مجاهد:
وقال هو أن يدخل فيسلم ويهدي إن شاء ولا يتكلم بشيء. السدي:
ومعنى (الاكتنان ): الإخفاء والستر، يقال: أكننت الشيء وكننته، إذا سترته. لغتان.
وقوله: علم الله أنكم ستذكرونهن يعني الخطبة، ولكن لا تواعدوهن سرا قال الشعبي لا يأخذ ميثاقها أن لا تنكح غيره. والسدي:
وقال الحسن، وقتادة، والربيع، والضحاك، وعطية: "السر": هو الزنا، وكان الرجل يدخل على المرأة للريبة وهو يعرض بالنكاح، ويقول لها: دعيني، فإذا وفيت عدتك أظهرت نكاحك ؛ فنهى الله عن ذلك.
وقوله: إلا أن تقولوا قولا معروفا يعني: التعريض بالخطبة كما ذكرناه.
قوله: ولا تعزموا عقدة النكاح أي: لا تصححوا عقد النكاح، يعني: لا تتزوجوا المعتدة، حتى يبلغ الكتاب أجله أي: حتى تنقضي عدتها.
و "الكتاب": هو القرآن.
واعلموا أن الله يعلم ما في أنفسكم مطلع على ضمائركم، فاحذروه فخافوه، واعلموا أن الله غفور حليم .
[ ص: 347 ]