الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      بسم الله الرحمن الرحيم.

                                                                                                                                                                                                                                      لا أقسم بيوم القيامة  ولا أقسم بالنفس اللوامة أيحسب الإنسان ألن نجمع عظامه  بلى قادرين على أن نسوي بنانه  بل يريد الإنسان ليفجر أمامه  يسأل أيان يوم القيامة فإذا برق البصر  وخسف القمر وجمع الشمس والقمر  يقول الإنسان يومئذ أين المفر  كلا لا وزر إلى ربك يومئذ المستقر  ينبأ الإنسان يومئذ بما قدم وأخر  بل الإنسان على نفسه بصيرة  ولو ألقى معاذيره

                                                                                                                                                                                                                                      لا أقسم بيوم القيامة معناه: أقسم، "ولا" صلة، وقال الفراء : لا رد على الذين أنكروا البعث، والجنة والنار.

                                                                                                                                                                                                                                      ويدل على أن المعنى إثبات القسم: قراءة من قرأ لأقسم، يجعلها لا ما دخلت على أقسم، قال ابن عباس : يريد: أقسم بيوم القيامة. وهو قول الجميع.

                                                                                                                                                                                                                                      ولا أقسم بالنفس اللوامة قال الحسن : أقسم بالأولى، ولم يقسم بالثانية.

                                                                                                                                                                                                                                      وقال الآخرون: معناه: أقسم كالأول.

                                                                                                                                                                                                                                      قال الفراء : ليس من نفس برة، ولا فاجرة، إلا وهي تلوم نفسها  ، إن كانت عملت خيرا قالت: هلا ازددت، وإن كانت عملت سوءا قالت:

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 391 ] ليتني لم أفعل.

                                                                                                                                                                                                                                      وهذا قول عطاء ، عن ابن عباس .

                                                                                                                                                                                                                                      وقال الحسن : هي النفس المؤمنة، لا ترى المؤمن إلا يلوم نفسه على كل حال.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: أيحسب الإنسان يعني: الكافر بالبعث، ألن نجمع عظامه قال ابن عباس : يريد : أبا جهل ، يقول: أيحسب أن لن يبعث.

                                                                                                                                                                                                                                      بلى نجمعها، قادرين على أن نسوي بنانه على ما كانت، وإن قل عظامها وصغرت، نردها كما كانت، ونؤلف بينها حتى يستوي البنان، ومن قدر على جمع صغار العظام، كان على جمع أكابرها أقدر، وهذا قول الزجاج ، وابن قتيبة .

                                                                                                                                                                                                                                      والمفسرون يقولون: نجعلها كخف البعير، أو كحافر الدابة. والمعنى: نجعل بنانه مع كفه صفحة مستوية، لا شقوق فيها، فيعدم الارتفاق بالأعمال اللطيفة كالكتابة، والخياطة.

                                                                                                                                                                                                                                      بل يريد الإنسان يعني: الكافر، ليفجر أمامه يقدم الذنب، ويؤخر التوبة، والمعنى: يريد أن يعصي ويكفر أبدا ما عاش، قال ابن الأنباري : يريد أن يفجر ما امتد عمره، وليس في نيته أن يرجع عن ذنب يرتكبه.

                                                                                                                                                                                                                                      يسأل أيان يوم القيامة أي: متى يكون ذلك؟ تكذيبا به.

                                                                                                                                                                                                                                      قال الله تعالى: فإذا برق البصر فزع، وتحير لما يرى من العجائب التي كان يكذب بها، قال الكلبي : وذلك عند رؤية جهنم، يبرق أبصار الكفار. والفتح في "برق" لغة.

                                                                                                                                                                                                                                      وخسف القمر ذهب ضوءه.

                                                                                                                                                                                                                                      وجمع الشمس والقمر كالبعيرين القرينين، وقال مجاهد : كورا يوم القيامة.

                                                                                                                                                                                                                                      وهو اختيار الفراء ، والزجاج ، قالا: جمعا في ذهاب نورهما.

                                                                                                                                                                                                                                      يقول الإنسان المكذب بيوم القيامة: أين المفر أين الفرار؟ ويجوز أن يكون الفرار موضع الفرار.

                                                                                                                                                                                                                                      قال الله تعالى: كلا لا وزر لا جبل، ولا حصن، ولا ملجأ من الله.

                                                                                                                                                                                                                                      إلى ربك يومئذ المستقر [ ص: 392 ] المنتهى والمرجع.

                                                                                                                                                                                                                                      ينبأ الإنسان يومئذ بما قدم وأخر بأول عمله وآخره، وقال قتادة : ما عمل من طاعة الله، وما أخر من طاعة الله، فلم يعمل به.

                                                                                                                                                                                                                                      وقال زيد بن أسلم : بما قدم من أمواله، وما خلف للورثة.

                                                                                                                                                                                                                                      بل الإنسان على نفسه بصيرة يعني: أن جوارحه تشهد عليه بما عمل، فهو شاهد على نفسه بشهادة جوارحه، قال الفراء : يقول: على الإنسان من نفسه بصيرة، يعني: رقباء يشهدون عليه بعمله: اليدان، والرجلان، والعينان، والذكر.

                                                                                                                                                                                                                                      ودخول الهاء في البصيرة؛ لأن المراد بالإنسان هاهنا الجوارح.

                                                                                                                                                                                                                                      ولو ألقى معاذيره ولو اعتذر، وجادل عن نفسه، لم ينفعه ذلك، يقال: معذرة ومعاذر ومعاذير.

                                                                                                                                                                                                                                      قال الفراء : أي: وإن اعتذر، فعليه من يكذب عذره.

                                                                                                                                                                                                                                      وقال الضحاك ، والسدي : يعني: ولو أرخى الستور.

                                                                                                                                                                                                                                      وقال الزجاج : المعاذير: الستور، واحدها معذار.

                                                                                                                                                                                                                                      وقال المبرد : هي لغة يمانية. والمعنى على هذا القول: وإن أسبل الستر ليخفي ما يعمل، فإن نفسه شاهدة عليه.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية