الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قوله: لا تحرك به لسانك لتعجل به  إن علينا جمعه وقرآنه  فإذا قرأناه فاتبع قرآنه ثم إن علينا بيانه  كلا بل تحبون العاجلة  وتذرون الآخرة  وجوه يومئذ ناضرة  إلى ربها ناظرة ووجوه يومئذ باسرة  تظن أن يفعل بها فاقرة

                                                                                                                                                                                                                                      لا تحرك به لسانك لتعجل به قال سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعالج من التنزيل شدة، وكان يشتد عليه حفظه، فكان إذا نزل عليه الوحي، يحرك لسانه وشفتيه، قبل فراغ جبريل عليه السلام من قراءة الوحي؛ مخافة أن لا يحفظ  ، فقال الله تعالى: لا تحرك به أي: بالوحي، أو بالقرآن، لسانك يعني: بالقراءة، لتعجل به أي: تأخذه، كما قال: ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه .

                                                                                                                                                                                                                                      إن علينا جمعه أي: نجمعه في صدرك، وقرآنه وقراءته عليك، أي: أن جبريل يقرؤه [ ص: 393 ] عليك حتى تحفظه.

                                                                                                                                                                                                                                      فإذا قرأناه قال ابن عباس : فإذا قرأه جبريل ، فاتبع قرآنه أي: قراءته، والمعنى: اقرأه إذا فرغ جبريل من قراءته، فكان النبي صلى الله عليه وسلم بعد هذا إذا نزل عليه جبريل أطرق، فإذا ذهب قرأ كما وعده الله تعالى.

                                                                                                                                                                                                                                      ثم إن علينا بيانه أي: علينا أن نحفظه عليك، حتى تبين للناس بتلاوتك إياه، وقراءتك عليهم، وقال الزجاج : علينا أن ننزله قرآنا عربيا، فيه بيان للناس.

                                                                                                                                                                                                                                      أخبرنا أبو بكر الحارثي ، أنا أبو محمد بن حيان ، نا أبو يحيى الرازي ، نا سهل بن عثمان ، نا عبيدة ، عن موسى بن أبي عائشة ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نزل عليه الوحي يعالج من ذلك شدة  كان يتلقاه ويحرك شفتيه كيلا ينسى، قال: فأنزل الله تعالى لا تحرك به لسانك لتعجل به يقول: لتعجل بأخذه إن علينا جمعه وقرآنه إن علينا أن نجمعه في صدرك، فتقرأه، فإذا قرأناه فاتبع قرآنه يقول: إذا أنزلناه فاستمع له.

                                                                                                                                                                                                                                      ثم إن علينا بيانه أي: نبينه بلسانك.

                                                                                                                                                                                                                                      فكان إذا أتاه جبريل أطرق، فإذا ذهب قرأه كما وعده الله.


                                                                                                                                                                                                                                      رواه البخاري ، ومسلم ، عن قتيبة ، عن أبي عوانة ، عن موسى بن أبي عائشة .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: كلا قال عطاء : لا يؤمن أبو جهل بالقرآن وببيانه.

                                                                                                                                                                                                                                      بل يحبون العاجلة يعني: كفار مكة يحبون الدنيا، ويعملون لها.

                                                                                                                                                                                                                                      ويذرون العمل للآخرة، فيؤثرون الدنيا عليها، وقرئ بالتاء على تقدير: قل لهم يا محمد : بل تحبون وتذرون.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله عز وجل: وجوه يومئذ يعني: يوم القيامة، ناضرة ناعمة، غضة، حسنة، يقال: شجر ناضر، وروض ناضر. يقال: وجهه ينضر، ونضر ينضر، ونضره الله، وأنضره ونضره. والمفسرون يقولون: مضيئة، مشرقة، مسفرة.

                                                                                                                                                                                                                                      إلى ربها ناظرة قال ابن عباس ، في رواية عطاء : يريد إلى الله ناظرة. وقال في رواية الكلبي : تنظر إلى الله [ ص: 394 ] يومئذ، لا تحجب عنه. وقال مقاتل : تنظر إلى ربها معاينة.

                                                                                                                                                                                                                                      وقال الحسن : حق لها أن تنظر، وهي تنظر إلى الخالق.

                                                                                                                                                                                                                                      وقال الزجاج : نضرت بنعيم الجنة، والنظر إلى ربها عز وجل   .

                                                                                                                                                                                                                                      أخبرنا أبو بكر الفارسي ، أنا محمد بن عيسى بن عمرويه ، نا إبراهيم بن محمد ، نا مسلم ، نا عبد الله بن عمر بن ميسرة ، حدثني عبد الرحمن بن مهدي ، نا حماد بن سلمة ، عن ثابت البناني ، عن عبد الرحمن بن أبي بكر ، عن صهيب ، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: " إذا دخل أهل الجنة الجنة يقول الله تعالى: تريدون شيئا أزيدكم،  فيقولون: ألم تبيض وجوهنا، ألم تدخلنا الجنة وتنجنا من النار، قال: فيكشف الحجاب، فما أعطوا شيئا أحب إليهم من النظر إلى ربهم".

                                                                                                                                                                                                                                      أخبرنا أبو بكر بن الحارث ، أنا عبد الله محمد بن جعفر الحافظ ، نا عبدان ، نا عثمان بن أبي شيبة ، نا معاوية ، نا عبد الملك بن أبجر ، عن ثوير بن أبي فاختة ، عن ابن عمر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: إن أدنى أهل الجنة منزلة، لمن ينظر في ملكه ألف سنة يرى أقصاه كما يرى أدناه  ينظر في سرره وأزواجه وخدمه، وإن أفضلهم منزلة لمن ينظر في وجه الله تعالى كل يوم مرتين.

                                                                                                                                                                                                                                      رواه الحاكم في صحيحه عن محمد بن يعقوب ، عن أحمد بن عبد الجبار ، عن أبي معاوية قال : وثوير وإن لم يخرج في الصحيح، فلم ينقم عليه غير التشيع ووجوه يومئذ باسرة كالحة، عابسة، كئيبة، مصفرة.

                                                                                                                                                                                                                                      تظن أن يفعل بها فاقرة تستيقن أن يعمل بها عظيم من [ ص: 395 ] العذاب، والفاقرة: الداهية العظيمة، والأمر الشديد يكسر فقار الظهر، قال ابن زيد : هي دخول النار. وقال الكلبي : هي أن تحجب عن رؤية ربها، فلا تنظر إليه.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية