فلما أحس عيسى منهم الكفر قال من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله آمنا بالله واشهد بأنا مسلمون ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين إذ قال الله يا عيسى إني متوفيك ورافعك إلي ومطهرك من الذين كفروا وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة ثم إلي مرجعكم فأحكم بينكم فيما كنتم فيه تختلفون فأما الذين كفروا فأعذبهم عذابا شديدا في الدنيا والآخرة وما لهم من ناصرين وأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيوفيهم أجورهم والله لا يحب الظالمين ذلك نتلوه عليك من الآيات والذكر الحكيم
قوله تعالى: فلما أحس عيسى قال ابن عباس: أحس علم.
وقال رأى. مقاتل:
وقال الزجاج: أحس في اللغة: علم ووجد ورأى.
وقوله منهم الكفر يريد: القتل، وذلك أنهم أرادوا قتله حين دعاهم إلى الله فاستنصر عليهم، و قال من أنصاري إلى الله و "الأنصار": جمع نصير، مثل شريف وأشراف.
ومعنى قوله: إلى الله أي: مع الله.
[ ص: 441 ] وقوله: قال الحواريون قال في رواية ابن عباس، كانوا صيادين سموا سعيد بن جبير: حواريين لبياض ثيابهم.
وقال في رواية كانوا قصارين يحورون الثياب، أي: يبيضونها، اتبعوا عطاء: عيسى وصدقوه.
وقال قتادة والكلبي: الحواريون: خواص عيسى وأصفياؤه.
وقال الحذاق باللغة يقولون: الزجاج: الحواريون: صفوة الأنبياء الذين خلصوا في التصديق بهم ونصرتهم، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: الزبير بن العوام" . ". . . وحواري
وقوله: نحن أنصار الله أي: أنصار دين الله، آمنا بالله واشهد يا عيسى، بأنا مسلمون .
قوله: ربنا آمنا بما أنزلت يعني: ما أنزل الله على عيسى وهو الإنجيل، واتبعنا الرسول عيسى عليه السلام، فاكتبنا مع الشاهدين مع الذين شهدوا للأنبياء بالصدق، أي: أثبت أسماءنا مع أسمائهم لنفوز بمثل ما فازوا به من الدرجة والكرامة.
قوله: ومكروا قال إن عامة ابن عباس: بني إسرائيل كفروا بعيسى وهموا بقتله، فذلك مكرهم به، حيث أرادوا أن يقتلوه اغتيالا.
وقوله: ومكر الله قال المفسرون: مكر الله بهم بإلقاء شبه عيسى على من دل عليه، فجعله الله في صورة عيسى فأخذ وصلب.
وقوله: والله خير الماكرين أي: أفضل المجازين بالسيئة العقوبة.
قوله: إذ قال الله يا عيسى إني متوفيك أي: قابضك من الأرض وافيا تاما من غير أن تنال اليهود منك شيئا، وهذا قول الحسن والكلبي وابن جريج.
[ ص: 442 ] وقال في رواية ابن عباس هذا مقدم ومؤخر، يريد: إني رافعك إلي ومتوفيك بعد أن أهبطك إلى الأرض حتى تكون فيها وتتزوج ويولد لك حتى تموت. عطاء:
وهذا اختيار قال: يقال: إن هذا مقدم ومؤخر، والمعنى: إني رافعك إلي ومطهرك من الذين كفروا، ومتوفيك بعد إنزالي إياك إلى الدنيا. الفراء،
وقوله: ورافعك إلي أي: إلى سمائي ومحل كرامتي، فجعل ذلك رفعا إليه للتفخيم والتعظيم.
ومطهرك من الذين كفروا أي: مخرجك من بينهم; لأن كونه في جملتهم التنجيس له بهم.
وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة قال قتادة والربيع والكلبي هم أهل الإسلام من أمة ومقاتل: محمد صلى الله عليه وسلم، اتبعوا دين المسيح وصدقوه بأنه رسول الله وكلمته، ألقاها إلى مريم وروح منه، فوالله ما اتبعه من دعاه ربا.
ومعنى فوق الذين كفروا بالبرهان والحجة، ومحتمل بالعز والغلبة.
ثم رجع عن الغيبة إلى الخطاب فقال: ثم إلي مرجعكم فأحكم بينكم فيما كنتم فيه تختلفون من الدين وأمر عيسى.
ثم بين ذلك الحكم فقال: فأما الذين كفروا فأعذبهم عذابا شديدا في الدنيا يعني: بالقتل وسبي الذراري وأخذ الجزية، والآخرة وفي الآخرة بالنار، وما لهم من ناصرين ما لهم من يمنعهم من عذاب الله.
وأما الذين آمنوا بمحمد وعيسى، فيوفيهم أجورهم يتم لهم جزاءهم من الثواب، والله لا يحب الظالمين لا يرحمهم، ولا يثني عليهم، وهم الذين لا يطيعون الله فيما أمرهم به من الإيمان بالرسل والكتب.
وقوله: ذلك إشارة إلى ما تقدم من الخبر عن عيسى ومريم والحواريين، نتلوه عليك قال نخبرك به بتلاوة ابن عباس: جبريل عليك، وتلاوته بأمر الله، ومثله قوله: نحن نقص عليك .
وقوله: من الآيات أي: العلامات الدالة على نبوتك; لأنها أخبار لا يعلمها إلا قارئ كتاب، أو من يوحى إليه، وأنت أمي لا تقرأ.
وقوله: والذكر الحكيم يعني: القرآن الحكيم، أي: المانع من الفساد وكل ما يقبح، ويجوز أن يكون بمعنى المحكم، أي: الممنوع من الباطل.
[ ص: 443 ]