قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون يا أهل الكتاب لم تحاجون في إبراهيم وما أنزلت التوراة والإنجيل إلا من بعده أفلا تعقلون ها أنتم هؤلاء حاججتم فيما لكم به علم فلم تحاجون فيما ليس لكم به علم والله يعلم وأنتم لا تعلمون ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين
قوله تعالى: قل يا أهل الكتاب يعني اليهود والنصارى، تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم يريد بالسواء: العدل، وكذلك في قراءة عبد الله إلى كلمة عدل، والمعنى: إلى كلمة عادلة مستقيمة مستوية، إذا أتيناها نحن وأنتم كنا على السواء والاستقامة.
ثم فسر الكلمة فقال: ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا لا نعبد معه غيره، ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله قال يريد: كما اتخذت النصارى ابن عباس: عيسى ربا، واتخذت بنو إسرائيل عزيرا.
وقال أي: نرجع إلى أن معبودنا الله عز وجل وأن الزجاج: عيسى بشر كما أننا بشر، فلا نتخذه ربا.
[ ص: 447 ] فإن تولوا أعرضوا عن الإجابة، فخالفوهم أنتم إنكارا عليهم، فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون أي: مقرون بالتوحيد، منقادون لما أتتنا به الأنبياء.
قوله تعالى: يا أهل الكتاب لم تحاجون في إبراهيم قال ابن عباس والسدي اجتمعت اليهود ونصارى وقتادة: نجران عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فتنازعوا في إبراهيم، فقالت اليهود: ما كان إلا يهوديا.
وقالت النصارى: ما كان إلا نصرانيا.
فنزلت هذه الآية.
وقوله: وما أنزلت التوراة والإنجيل إلا من بعده يريد: أن اليهودية حدثت بعد نزول التوراة، والنصرانية بعد نزول الإنجيل، وإنما أنزل الكتابان بعد مهلك إبراهيم بزمن طويل، وليس فيهما اسمه بواحد من دين اليهود والنصارى.
واختلفوا في اشتقاق التوراة ووزنها من الفعل، فقال هي في الأصل تورية، على وزن تفعلة، فصارت الياء ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها. الفراء:
وقال وزنها فوعلة، وأصلها: وورية، ولكن الواو الأولى قلبت تاء كما قالوا: تولج، وهو فوعل ولجت، وقلبت الياء ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها، فصارت تورية، وكتبت بالياء على أصل الكلمة. الخليل:
وأما اشتقاقها: فحكى عن ابن الأنباري قال: التوراة معناها: الضياء والنور، من قول العرب: وري الزند يرى ويورى، إذا أظهر النار. الفراء،
فالتوراة سميت لظهور الحق بها.
[ ص: 448 ] وقال المؤرج: هو من التورية وهو التعريض بالشيء، وكان أكثر التوراة معاريض وتلويحا من غير إيضاح وتصريح.
وأما "الإنجيل" فقال هو إفعيل من النجل وهو الأصل. الزجاج:
وقال "إنجيل": أصل للقوم الذين نزل عليهم، لأنهم يعملون بما فيه. ابن الأنباري:
وقال قوم: "الإنجيل" مأخوذ من قول العرب: نجلت الشيء، إذا استخرجته وأظهرته.
يقال للماء الذي يخرج من النز: نجل واستنجل الوادي، إذا أخرج الماء.
فسمي كتاب عيسى إنجيلا لأن الله تعالى أظهره للناس بعد طموس الحق ودروسه.
وقال جماعة: التوراة والإنجيل والزبور: أسماء عربت من السريانية والعبرية، وليس يطرد فيها قياس الأسماء العربية، ألا تراهم يقولون لها بالسريانية: توري إنكليون زفوتا؟ وقوله: أفلا تعقلون أي: فساد هذه الدعوى، إذ العقل يزجر عن الإقامة على دعوى بغير حجة.
قوله: ها أنتم ها: حرف للتنبيه، كأنه قيل: انتبهوا عن غفلتكم.
هؤلاء أي: يا هؤلاء، جادلتم وخاصمتم، فيما لكم به علم وهو ما وجدوه في كتابهم وأنزل عليهم بيانه وقصته، فلم تحاجون فيما ليس لكم به علم أي: لم تجادلون في شأن إبراهيم، وليس في كتابكم أنه كان يهوديا أو نصرانيا؟ والله يعلم شأن إبراهيم، وأنتم لا تعلمون .
ثم بين حال إبراهيم فقال: ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا برأه الله تعالى ونزهه عن الدينين، ووصفه بدين الإسلام فقال: ولكن كان حنيفا مسلما الآية، وذكرنا معنى الحنيف فيما تقدم.
قوله تعالى: إن أولى الناس بإبراهيم أي: أقرب الناس إليه وأحقهم به، للذين اتبعوه على دينه وملته، وهذا النبي يعني محمدا صلى الله عليه وسلم، والذين آمنوا يعني المهاجرين والأنصار والتابعين ممن آمن بمحمد صلى الله عليه وسلم.
[ ص: 449 ] قال أي: فهم الذين ينبغي أن يقولوا: إنا على دين الزجاج: إبراهيم.
والله ولي المؤمنين أي: ناصرهم ومعينهم.