الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عبادا لي من دون الله ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون  ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون  

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب الآية، قال ابن عباس في رواية الكلبي: إن اليهود والنصارى احتجوا بأنهم أولى بإبراهيم وبدينه، فذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كلا الفريقين منه ومن دينه بريء" .

                                                                                                                                                                                                                                      فغضبوا وقالوا: يا محمد، والله ما تريد إلا أن نتخذك ربا.

                                                                                                                                                                                                                                      فأنزل الله عز وجل هذه الآية.


                                                                                                                                                                                                                                      قال قتادة: يقول: ما ينبغي لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم، يعني الفقه والعلم، والنبوة ثم يأمر عباد الله أن يتخذوه ربا من دون الله.

                                                                                                                                                                                                                                      والمعنى: ما كان لبشر أن يجمع بين هذين، بين النبوة وبين دعاء الخلق إلى عبادة غير الله، وهو قوله: ثم يقول للناس كونوا عبادا لي من دون الله .

                                                                                                                                                                                                                                      ولكن كونوا أي: ولكن يقول: كونوا ربانيين قال ابن عباس: معلمين.

                                                                                                                                                                                                                                      وقال قتادة وسعيد بن جبير: فقهاء علماء حكماء.

                                                                                                                                                                                                                                      قال سيبويه: زادوا ألفا ونونا في "الرباني"، إذا أرادوا تخصيصا بعلم الرب كما قالوا: شعراني ولحياني.

                                                                                                                                                                                                                                      فالرباني على هذا القول: منسوب إلى الرب، على معنى التخصيص بعلم الرب، أي: يعلم الشريعة وصفات الرب.

                                                                                                                                                                                                                                      وقال المبرد: "الرباني": الذي يرب العلم ويرب الناس، أي: يعلمهم ويصلحهم.

                                                                                                                                                                                                                                      وعلى هذا القول: الرباني: من الرب الذي هو بمعنى التربية.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 457 ] وقوله: بما كنتم تعلمون الكتاب أي: بكونكم عالمين بالكتاب، وبما كنتم تدرسون وبما كنتم دارسين للكتاب.

                                                                                                                                                                                                                                      قال الزجاج: كونوا معلمي الناس بعلمكم ودرسكم، علموا الناس وبينوا لهم.

                                                                                                                                                                                                                                      ومن قرأ تعلمون بالتشديد فالمعنى: بكونكم معلمين، أي: علموا الناس الكتاب وبينوا لهم صفة محمد صلى الله عليه وسلم وما فيه من الحق والصواب، حتى تستحقوا هذه الصفة وتكونوا معلمين.

                                                                                                                                                                                                                                      ومعنى تدرسون: تقرءون، ومنه قوله: ودرسوا ما فيه .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: ولا يأمركم من قرأ - بالرفع - قطعه مما قبله.

                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن جريج: ولا يأمركم محمد.

                                                                                                                                                                                                                                      ومن نصب كان المعنى: ما كان لبشر أن يأمركم، فيكون نصبا بالنسق على قوله: أن يؤتيه قال الزجاج: معنى الآية: ولا يأمركم أن تعبدوا الملائكة والنبيين; لأن الذين قالوا: إن عيسى إله.

                                                                                                                                                                                                                                      عبدوه واتخذوه ربا، وقال قوم من الكفار: إن الملائكة أربابنا.

                                                                                                                                                                                                                                      يقال لهم: الصابئون.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: أيأمركم بالكفر استفهام معناه الإنكار، أي: لا يفعل ذلك، بعد إذ أنتم مسلمون أي: بعد إسلامكم.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية