الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما إن الله كان عليما خبيرا  واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت أيمانكم إن الله لا يحب من كان مختالا فخورا  الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ويكتمون ما آتاهم الله من فضله وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا  

                                                                                                                                                                                                                                      قوله جل جلاله : (وإن خفتم ) أي : علمتم شقاق بينهما أي : عداوة وخلاف ما بينهما ، فابعثوا حكما من أهله المأمور ببعث الحكمين السلطان الذي يترافع الزوجان فيما شجر بينهما إليه ، والحكم بمعنى الحاكم وهو المانع من الظلم .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : من أهله وحكما من أهلها أي : من أقارب هذا وأقارب تلك ، إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما قال عامة المفسرين : إن أراد الحكمان إصلاحا يوفق الله بين الزوج والمرأة حتى يصطلحا .  

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 48 ] إن الله كان عليما بما في قلب الزوجين من المودة ، خبيرا : بما يكون منهما .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله عز وجل : واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا .

                                                                                                                                                                                                                                      أخبرنا أحمد بن محمد بن إبراهيم المهرجاني ، أخبرنا عبيد الله بن محمد الزاهد ، أخبرنا أبو القاسم البغوي ، أخبرنا عبيد الله بن محمد العبسي ، حدثنا حماد بن سلمة ، عن علي بن زيد ، عن أبي المليح ، عن روح بن عائذ ، عن أبي العوام ، عن معاذ بن جبل ، قال : كنت رديفا للنبي صلى الله عليه وسلم على جمل أحمر فقال : "يا معاذ ، قلت : لبيك ، قال : هل تدري ما حق الله على العباد ؟ قلت : الله ورسوله أعلم ، قال : فإن حق الله عليهم أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا ، هل تدري ما حق العباد على الله إذا هم فعلوا ذلك ؟ قلت : الله ورسوله أعلم ، قال : فإن حقهم على الله إذا هم فعلوا ذلك أن يغفر لهم وأن يدخلهم الجنة" .  

                                                                                                                                                                                                                                      أخبرنا المفضل بن إسماعيل بن أحمد الإسماعيلي ، أخبرنا جدي الإمام أبو بكر الإسماعيلي ، حدثنا عبد الله بن الصقر السكري ، حدثنا أحمد بن المقدام ، حدثنا عبد الله بن خراش ، حدثنا العوام بن حوشب ، عن إبراهيم التيمي ، عن أبيه ، عن ابن مسعود ، قال : أتى النبي صلى الله عليه وسلم أعرابي فقال : يا نبي الله أوصني ، قال : "لا تشرك بالله شيئا ، وإن قطعت أو حرقت ، ولا تدع الصلاة لوقتها ، فإنها ذمة الله تعالى ، ولا تشرب الخمر فإنها مفتاح كل شر "   [ ص: 49 ] قوله : وبالوالدين إحسانا قال ابن عباس : برا بهما مع اللطف ولين الجانب ، ولا يغلظ لهما في الجواب ، ولا يحد النظر إليهما ، ولا يرفع صوته عليهما ، يكون بين أيديهما مثل العبد بين يدي السيد تذللا لهما .

                                                                                                                                                                                                                                      وبذي القربى قال : يصله ويتعطف عليه ، واليتامى : يرفق بهم ، ويدنيهم ، ويمسح رأسهم ، والمساكين : ببذل يسير أو ، رد جميل ، والجار ذي القربى يعني : الذي بينك وبينه قرابة ، فله حق القرابة ، وحق الجوار ، وحق الإسلام ، والجار الجنب هو الذي ليس بينك وبينه قرابة ، يقال : رجل جنب .

                                                                                                                                                                                                                                      إذا كان غريبا متباعدا عن أهله ، وقوم أجناب .

                                                                                                                                                                                                                                      والجنابة : البعد .

                                                                                                                                                                                                                                      أخبرنا أبو طاهر الزيادي ، أخبرنا أحمد بن يعقوب الثقفي ، أخبرنا الحسن المثنى ، حدثنا عفان بن مسلم ، حدثنا محمد بن طلحة ، عن زبيد ، عن مجاهد ، عن عائشة ، أن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : "ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه " .  

                                                                                                                                                                                                                                      أخبرنا أبو عبد الله بن أبي إسحاق ، حدثنا محمد بن الحسن السراج ، حدثنا يوسف بن يعقوب القاضي ، حدثنا سليمان بن حرب ، حدثنا شعبة ، حدثنا أبو عمران الجوني ، قال : سمعت طلحة ، يقول : إن عائشة ، [ ص: 50 ] قالت : "يا رسول الله إن لي جارين فبأيهما أبدأ ؟ فقال : بأقربهما منكم بابا   " ، رواه البخاري ، عن حجاج بن منهال ، عن شعبة .

                                                                                                                                                                                                                                      أخبرنا أحمد بن الحسن الحيري ، أخبرنا أبو علي محمد بن أحمد بن معقل ، حدثنا محمد بن يحيى الذهلي ، حدثنا عبد الرزاق ، أخبرنا معمر ، عن الزهري ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذين جاره "  رواه مسلم ، عن حرملة ، عن ابن وهب ، عن يونس ، عن الزهري .

                                                                                                                                                                                                                                      أخبرنا عبد الرحمن بن محمد الزمجاري ، حدثنا عبد الله بن بيان الحريري ، حدثنا علي بن حسنويه القطان ، حدثنا محمد بن عبد الله المنادي ، حدثنا أبو هدبة ، عن أنس بن مالك ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الجار ليتعلق بالجار يوم القيامة يقول : يا رب أوسعت على أخي وقترت علي ، أمسي طاويا بطني ، ويمسي هذا شبعان ، سله لم أغلق بابه عني وحرمني ما قد أوسعت عليه ، فالجار متعلق بالجار يوم القيامة" .  

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله والصاحب بالجنب قال ابن عباس ، ومجاهد ، وقتادة ، والحسن ، والسدي ، والضحاك : هو الرفيق في السفر ، له حق الجوار ، وحق الصحبة .

                                                                                                                                                                                                                                      وابن السبيل : هو الضيف يجب قراه إلى أن يبلغ حيث يريد ، قال ابن عباس : هو عابر السبيل تؤويه ، وتطعمه حتى يرحل عنك .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 51 ] وما ملكت أيمانكم يريد : المملوك ، تحسن رزقه ، وتعفو عنه فيما يخطئ .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : إن الله لا يحب من كان مختالا فخورا قال ابن عباس : يريد بالمختال : العظيم في نفسه الذي لا يقوم بحقوق الله ، والفخور : الذي يفخر على عباد الله بما خوله الله من كرامته وما أعطاه من نعمته .

                                                                                                                                                                                                                                      أخبرنا أحمد بن الحسن الحرشي ، أخبرنا حاجب بن أحمد ، حدثنا عبد الرحيم بن منيب ، أخبرنا النضر بن شميل ، أخبرنا عوف ، عن خلاس بن عمرو ، عن أبي هريرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : "بينما رجل شاب ممن كان قبلكم يمشي في حلة مختالا فخورا ، إذ ابتلعته الأرض ، فهو يتجلجل فيها إلى يوم تقوم الساعة " .  

                                                                                                                                                                                                                                      أخبرنا أبو طاهر الزيادي ، حدثنا أبو حامد البلالي ، حدثنا عبد الرحمن بن بشر ، حدثنا بشر بن السري ، حدثنا حنظلة بن أبي سفيان ، عن سالم ، قال : سمعت ابن عمر ، يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : "من جر ثوبه من الخيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة " .  

                                                                                                                                                                                                                                      أخبرنا المفضل بن إسماعيل الإسماعيلي ، أخبرني جدي الإمام أبو بكر الإسماعيلي ، أخبرني إسحاق بن إبراهيم بن أبي حسان الأنماطي ، حدثنا هشام بن عمار ، عن سعيد بن يحيى اللخمي ، حدثنا عبد الله بن أبي [ ص: 52 ] حميد ، عن أبي المليح ، عن عباد بن حصين ، قال : انطلقنا حاجين فمررنا على أبي ذر ، فقلنا : حدثنا عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "ثلاثة لا خلاق لهم : المختال الفخور ، ثم قرأ إن الله لا يحب من كان مختالا فخورا ، والمنان الذي لا يفعل خيرا إلا من به ، ثم قرأ يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى ، والذي يشتري بيمينه ثمنا قليلا ، ثم قرأ إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا أولئك لا خلاق لهم في الآخرة  قوله عز وجل : الذين يبخلون نزلت في اليهود ، قال قتادة : هم أعداء الله أهل الكتاب ، بخلوا بحق الله عليهم ، وكتموا الإسلام ومحمدا ، وهم يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة .

                                                                                                                                                                                                                                      قال الكلبي : هم اليهود بخلوا أن يصدقوا من أتاهم صفة محمد صلى الله عليه وسلم ونعته ، وأمروا قومهم بالبخل وهو كتمان أمره ، وذلك قوله : ويأمرون الناس بالبخل .

                                                                                                                                                                                                                                      وقرئ بالبخل وهما لغتان ، مثل : الثكل والثكل .

                                                                                                                                                                                                                                      قال : يأمرون سفلتهم بكتمان نعت محمد صلى الله عليه وسلم ، ويكتمون ما آتاهم الله من فضله قال ابن عباس : يريد العلم بما في التوراة مما عظم الله به أمر محمد صلى الله عليه وسلم وأمته .

                                                                                                                                                                                                                                      ثم أوعدهم بالنار فقال : وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا ، وهو النار يذلهم الله فيها ويخزيهم .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية