وقوله : وإن تصبهم حسنة  إلى قوله : من عندك هذا من قول اليهود والمنافقين عند مقدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة ،  وكان قد بسط عليهم الرزق ، فلما كفروا أمسك عنهم بعض الإمساك ، فقالوا : ما رأينا أعظم شؤما من هذا ، نقصت ثمارنا ، وغلت أسعارنا منذ قدم علينا هذا الرجل وأصحابه . 
فذلك قوله : وإن تصبهم حسنة  يعني : الخصب ورخص الأسعار يقولوا هذه من عند الله وإن تصبهم سيئة  جدب وغلاء الأسعار قالوا هذه من عندك : من شؤم محمد ،  قل كل من عند الله   . 
قال  ابن عباس :  أما الحسنة فأنعم الله بها عليك وأما السيئة فابتلاك بها ، فمال هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا  لا يفهمون القرآن وتأويله فيؤمنوا ويعلمون أن الحسنة والسيئة من عند الله . 
قوله عز وجل : ما أصابك من حسنة  قال  ابن عباس  في رواية  عطاء :  ما أصابك من حسنة يوم بدر  من النصر والغنيمة ، فمن الله وما أصابك من سيئة  يوم أحد من القتل والهزيمة ، فمن نفسك فبذنبك . 
 [ ص: 84 ] قال : وهذا مخاطبة من الله تعالى للنبي صلى الله عليه وسلم ، والمراد به أصحابه والنبي من ذلك بريء . 
قال  الزجاج :  هذا خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم يراد به الخلق ، ومخاطبة النبي صلى الله عليه وسلم تكون للناس جميعا ؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لسانهم . 
ومعنى ما أصابك من حسنة فمن الله  أي : ما أصبتم من غنيمة أو أتاكم من خصب فمن تفضل الله عليك ، وما أصابك من سيئة  أي : من جدب وهزيمة في حرب ، فمن نفسك أي : أصابكم ذلك بما كسبت أيديكم . 
وقال  قتادة :  فمن نفسك عقوبة لذنبك يا ابن آدم ، وكذلك قال  الحسن ،   والسدي  ،  وابن جريج ،   والضحاك :  فمن نفسك فبذنبك ، وهذا كقوله : وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم  ، والحسنة تكون بمعنى الخصب ، والسيئة : بمعنى الجدب ، قال الله تعالى : وبلوناهم بالحسنات والسيئات لعلهم يرجعون  يعني : الخصب والجدب . 
ولا تعلق للقدرية  بهذه الآية ؛ لأن الحسنة والسيئة المذكورتين هاهنا لا ترجعان إلى الطاعة والمعصية ، واكتساب العباد بحال ؛ لأن الحسنة التي يراد بها الخير والطاعة لا يقال فيها : أصابتني . 
إنما يقال : أصبتها . 
وليس في كلام العرب : أصابت فلانا حسنة ، على معنى : عمل خيرا ، وكذلك : أصابته سيئة ، على معنى : عمل معصية ، غير موجود في كلامهم ، إنما يقولون : أصاب سيئة إذا عملها واكتسبها . 
قوله : وأرسلناك للناس رسولا  قال  ابن عباس   : يريد أنك قد بلغت رسالاتي ، وكفى بالله شهيدا  على ما بلغت من رسالات ربك . 
قوله جل جلاله : من يطع الرسول فقد أطاع الله  قال  ابن عباس   : يريد : إن طاعتكم لمحمد  صلى الله عليه وسلم طاعة لله . 
وقال  الحسن   : جعل الله طاعة رسوله طاعته ، وقامت به الحجة على المسلمين . 
وذكر  الشافعي  في الرسالة ، في باب فرض طاعة الرسول هذه الآية ، وقال : إن كل فريضة فرضها الله في كتابه كالحج والصلاة والزكاة ، لولا بيان رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كنا نعرف كيف نأتيها ، ولا كيف يمكننا أداء شيء من العبادات ،  [ ص: 85 ] وإذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم من الشريعة بهذه المنزلة ، كانت طاعته على الحقيقة طاعة لله عز جل . 
وأخبرنا الإمام أبو طاهر الزيادي ،  أخبرنا أبو بكر محمد بن عمر بن حفص الزاهد ،  أخبرنا إبراهيم بن عبد الله العبسي ،  أخبرنا  وكيع ،  عن  الأعمش ،  عن أبي صالح ،  عن  أبي هريرة ،  قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :  "من أطاعني فقد أطاع الله ، ومن أطاع الإمام فقد أطاعني ، ومن عصاني فقد عصى الله ، ومن عصا الإمام فقد عصاني" .  
وقوله : ومن تولى : قال  ابن عباس  ،  ومقاتل :  أعرض عن طاعتك يا محمد ، فما أرسلناك عليهم حفيظا  حافظا من التولي والإعراض . 
ثم أمر بعد ذلك بالجهاد ، والإكراه على الدين بالسيف . 
				
						
						
