الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة فلما كتب عليهم القتال إذا فريق منهم يخشون الناس كخشية الله أو أشد خشية وقالوا ربنا لم كتبت علينا القتال لولا أخرتنا إلى أجل قريب قل متاع الدنيا قليل والآخرة خير لمن اتقى ولا تظلمون فتيلا  أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة وإن تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند الله وإن تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك قل كل من عند الله فمال هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا  ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك وأرسلناك للناس رسولا وكفى بالله شهيدا  من يطع الرسول فقد أطاع الله ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظا  

                                                                                                                                                                                                                                      قوله عز وجل : ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم الآية ، نزلت الآية في نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم : عبد الرحمن بن عوف ، والمقداد بن الأسود ، وقدامة بن مظعون ، وسعد بن أبي وقاص ، كانوا يقولون [ ص: 82 ] للنبي صلى الله عليه وسلم : ائذن لنا في قتال المشركين ، فيقول لهم : كفوا أيديكم فإني لم أومر بقتالهم .

                                                                                                                                                                                                                                      فلما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ، وأمروا بالقتال كرهه بعضهم ، فأنزل الله تعالى هذه الآية .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : كفوا أيديكم قال ابن عباس : عن قتال عبدة الأصنام لأن الله تعالى لم يأمر بقتالهم .

                                                                                                                                                                                                                                      قال الزجاج : كان المسلمون قبل أن يؤمروا بالقتال قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم : لو أذنت لنا أن نقاتل المشركين ، فأمروا بالكف وأداء ما افترض عليهم من غير القتال ، وهو قوله : وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة فلما كتب فرض عليهم القتال إذا فريق منهم يعني : جماعة منهم ، يخشون الناس : المشركين ، كخشية الله : كما يخشون الله ، أو أشد خشية قال الحسن : هذا كان منهم لما في طبع البشر من المخافة لا على كراهة أمر الله بالقتال .

                                                                                                                                                                                                                                      وقالوا : جزعا من الموت وحرصا على الحياة : لم كتبت علينا القتال لولا أخرتنا إلى أجل قريب أن : هلا تركتنا حتى نموت بآجالنا وعافيتنا من القتل ؟ قل : لهم ، يا محمد : متاع الدنيا قليل أي : ما تمتعون به من الدنيا وعيشها قليل ، والآخرة خير يعني : الجنة لمن اتقى الله ولم يشرك به شيئا .

                                                                                                                                                                                                                                      أخبرنا الأستاذ أبو الحسن علي بن محمد الفارسي ، حدثنا أبو العباس أحمد بن محمد بن أحمد بن إسحاق ، حدثني محمد بن إسحاق بن خزيمة ، قال : حدثنا عتبة بن عبد الله اليحمدي ، حدثنا ابن المبارك ، حدثنا إسماعيل بن أبي خالد ، عن قيس بن أبي حازم ، عن المستورد بن شداد الفهري ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ص: 83 ] يقول : "والله ما الدنيا في الآخرة إلا كما يجعل أحدكم إصبعه في اليم فلينظر بما يرجع "  وقوله : ولا تظلمون فتيلا قال ابن عباس : لا ينقصون من ثواب أعمالهم فتيل النواة .

                                                                                                                                                                                                                                      ثم أعلمهم أن آجالهم لا تخطئهم ولو تحصنوا بأمنع الحصون ، فقال : أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة أي : في حصون وقصور مطولة رفيعة ، وقال السدي ، وقتادة : يعني بروج السماء الاثني عشر ، يقال : شاد بناءه وأشاده وشيده .

                                                                                                                                                                                                                                      إذا رفعه .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية