الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : وإن تصبهم حسنة إلى قوله : من عندك هذا من قول اليهود والمنافقين عند مقدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة ، وكان قد بسط عليهم الرزق ، فلما كفروا أمسك عنهم بعض الإمساك ، فقالوا : ما رأينا أعظم شؤما من هذا ، نقصت ثمارنا ، وغلت أسعارنا منذ قدم علينا هذا الرجل وأصحابه .

                                                                                                                                                                                                                                      فذلك قوله : وإن تصبهم حسنة يعني : الخصب ورخص الأسعار يقولوا هذه من عند الله وإن تصبهم سيئة جدب وغلاء الأسعار قالوا هذه من عندك : من شؤم محمد ، قل كل من عند الله .

                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن عباس : أما الحسنة فأنعم الله بها عليك وأما السيئة فابتلاك بها ، فمال هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا لا يفهمون القرآن وتأويله فيؤمنوا ويعلمون أن الحسنة والسيئة من عند الله .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله عز وجل : ما أصابك من حسنة قال ابن عباس في رواية عطاء : ما أصابك من حسنة يوم بدر من النصر والغنيمة ، فمن الله وما أصابك من سيئة يوم أحد من القتل والهزيمة ، فمن نفسك فبذنبك .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 84 ] قال : وهذا مخاطبة من الله تعالى للنبي صلى الله عليه وسلم ، والمراد به أصحابه والنبي من ذلك بريء .

                                                                                                                                                                                                                                      قال الزجاج : هذا خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم يراد به الخلق ، ومخاطبة النبي صلى الله عليه وسلم تكون للناس جميعا ؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لسانهم .

                                                                                                                                                                                                                                      ومعنى ما أصابك من حسنة فمن الله أي : ما أصبتم من غنيمة أو أتاكم من خصب فمن تفضل الله عليك ، وما أصابك من سيئة أي : من جدب وهزيمة في حرب ، فمن نفسك أي : أصابكم ذلك بما كسبت أيديكم .

                                                                                                                                                                                                                                      وقال قتادة : فمن نفسك عقوبة لذنبك يا ابن آدم ، وكذلك قال الحسن ، والسدي ، وابن جريج ، والضحاك : فمن نفسك فبذنبك ، وهذا كقوله : وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ، والحسنة تكون بمعنى الخصب ، والسيئة : بمعنى الجدب ، قال الله تعالى : وبلوناهم بالحسنات والسيئات لعلهم يرجعون يعني : الخصب والجدب .

                                                                                                                                                                                                                                      ولا تعلق للقدرية بهذه الآية ؛ لأن الحسنة والسيئة المذكورتين هاهنا لا ترجعان إلى الطاعة والمعصية ، واكتساب العباد بحال ؛ لأن الحسنة التي يراد بها الخير والطاعة لا يقال فيها : أصابتني .

                                                                                                                                                                                                                                      إنما يقال : أصبتها .

                                                                                                                                                                                                                                      وليس في كلام العرب : أصابت فلانا حسنة ، على معنى : عمل خيرا ، وكذلك : أصابته سيئة ، على معنى : عمل معصية ، غير موجود في كلامهم ، إنما يقولون : أصاب سيئة إذا عملها واكتسبها .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله : وأرسلناك للناس رسولا قال ابن عباس : يريد أنك قد بلغت رسالاتي ، وكفى بالله شهيدا على ما بلغت من رسالات ربك .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله جل جلاله : من يطع الرسول فقد أطاع الله قال ابن عباس : يريد : إن طاعتكم لمحمد صلى الله عليه وسلم طاعة لله .

                                                                                                                                                                                                                                      وقال الحسن : جعل الله طاعة رسوله طاعته ، وقامت به الحجة على المسلمين .

                                                                                                                                                                                                                                      وذكر الشافعي في الرسالة ، في باب فرض طاعة الرسول هذه الآية ، وقال : إن كل فريضة فرضها الله في كتابه كالحج والصلاة والزكاة ، لولا بيان رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كنا نعرف كيف نأتيها ، ولا كيف يمكننا أداء شيء من العبادات ، [ ص: 85 ] وإذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم من الشريعة بهذه المنزلة ، كانت طاعته على الحقيقة طاعة لله عز جل .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخبرنا الإمام أبو طاهر الزيادي ، أخبرنا أبو بكر محمد بن عمر بن حفص الزاهد ، أخبرنا إبراهيم بن عبد الله العبسي ، أخبرنا وكيع ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "من أطاعني فقد أطاع الله ، ومن أطاع الإمام فقد أطاعني ، ومن عصاني فقد عصى الله ، ومن عصا الإمام فقد عصاني" .  

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : ومن تولى : قال ابن عباس ، ومقاتل : أعرض عن طاعتك يا محمد ، فما أرسلناك عليهم حفيظا حافظا من التولي والإعراض .

                                                                                                                                                                                                                                      ثم أمر بعد ذلك بالجهاد ، والإكراه على الدين بالسيف .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية