ويقولون طاعة فإذا برزوا من عندك بيت طائفة منهم غير الذي تقول والله يكتب ما يبيتون فأعرض عنهم وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا
قوله عز وجل : (ويقولون طاعة ) يعني : المنافقين كانوا يقولون للنبي صلى الله عليه وسلم : طاعة لأمرك .
قال كانوا إذا دخلوا على النبي صلى الله عليه وسلم قالوا : مرنا بما شئت فأمرك طاعة . مقاتل :
وقال النحويون : معناه : أمرنا طاعة ، أي : أمرنا وشأننا أن نطيعك .
فإذا برزوا : خرجوا ، من عندك بيت طائفة منهم قال : كل أمر فكر فيه بليل فقد بيت ، ومنه [ ص: 86 ] قوله : الزجاج إذ يبيتون ما لا يرضى من القول وقال : يريد ما أضمر في قلوبهم غير ما يقولون . ابن عباس
وقال ويقولون طاعة : بحضرتك ، فإذا خرجوا من عندك بيت طائفة منهم غير الذي يقول ، أي : قالوا وقدروا ليلا غير ما أعطوه نهارا . ابن قتيبة :
والله يكتب ما يبيتون أي : يحفظ عليهم ليجازوا به ، فأعرض عنهم : قال : فاصفح عنهم ، وذلك أن الله تعالى نهى عن قتل المنافقين ، ابن عباس وتوكل على الله اعتمد بأمرك عليه ، وكفى بالله وكيلا معتمدا وملجأ .
قوله جل جلاله : أفلا يتدبرون القرآن يعني : المنافقين ، ومعنى تدبرت الشيء : نظرت في عاقبته ، يقول : أفلا يتأملون القرآن ويتفكرون فيه ؟ ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا قال : لو كان من عند مخلوق لكان فيه كذب وباطل واختلاف . ابن عباس
وقال : لولا أنه من عند الله لكان ما فيه من الأخبار عن الغيب مما يسره المنافقون وما يبيتونه مختلفا ، بعضه حق وبعضه باطل لأن الغيب لا يعلمه إلا الله . الزجاج
وقال أهل المعاني : لوجدوا فيه اختلافا كثيرا أي : لو كان من عند مخلوق لكان على قياس كلام العباد ، بعضه بليغ حسن ، وبعضه مرذول فاسد ، فلما كان جميع القرآن بليغا ولم يختلف ، عرف أنه من عند الله ، وليس بحمد الله في القرآن اختلاف تناقض ، ولا اختلاف تفاوت .
فأما اختلاف القراءات ، واختلاف مقادير الآيات والسور ، واختلاف الأحكام في الناسخ والمنسوخ فكل حسن وحق ، وليس ذلك اختلافا يؤدي إلى فساد وتناقض .