قوله: وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم موضع "إذ" نصب نسقا على "إذ" التي قبلها.
وقوله: قلنا هو خطاب الأكابر والعظماء، يقول الواحد منهم: فعلنا، لعلمه بأن أتباعه يفعلون كفعله، فأخبر الله تعالى عن نفسه على الجمع لأنه ملك الملوك. واختلفوا في الملائكة الذين أمروا بالسجود لآدم ، من هم؟ فقال بعضهم: هم الذين كانوا مع إبليس في الأرض، وقال آخرون: هم جميع الملائكة حتى جبريل وميكائيل ؛ لأنه قال: فسجد الملائكة كلهم أجمعون ، وفي هذا تأكيد للعموم.
وأصل السجود في اللغة: الخضوع والتذلل، وكل من ذل وخضع لما أمر به فقد سجد. وسجود كل موات في القرآن: طاعته لما سخر له.
وقال : "عين ساجدة" إذا كانت فاترة، و"نخلة ساجدة" إذا مالت لكثرة حملها، وكان سجود الملائكة أبو عبيدة لآدم على جهة التكريم، فكان ذلك تكريما لآدم وطاعة لله ، ولم تكن عبادة لآدم ، [ ص: 120 ] وحكى ، عن ابن الأنباري ، وجماعة من الأئمة: أن سجود الملائكة الفراء لآدم كان تحية ولم يكن عبادة، وكان ذلك سجود تعظيم وتسليم وتحية، لا سجود صلاة وعبادة، وكان ذلك تحية الناس وتعظيم بعضهم بعضا ولم يكن وضع الوجه على الأرض، فلما جاء الإسلام أبطل ذلك بالسلام.
وآدم سمي آدم لأنه خلق من أديم الأرض، وقيل: إنه كان أدأم بالعبرانية، وهو التراب، فعربته العرب فقالوا: آدم.
وقوله: فسجدوا إلا إبليس قال أكثر أهل اللغة والتفسير: سمي إبليس بهذا الاسم لأنه أبلس من رحمة الله، أي: أيس، والمبلس: المكتئب الآيس الحزين، وفي القرآن فإذا هم مبلسون .
وقال : لا يجوز أن يكون مشتقا من أبلس؛ لأنه لو كان كذلك لانصرف ونون كما ينون إكليل وإحليل وبابه، وترك التنوين في القرآن يدل على أنه أعجمي معرب معرفة، والأعجمي لا يعرف له اشتقاق. ابن الأنباري
قال ، مجاهد ، عن وطاوس : كان إبليس قبل أن يركب المعصية ملكا من الملائكة اسمه ابن عباس عزازيل ، وكان من سكان الأرض، وكان سكان الأرض من الملائكة يسمون الجن، ولم يكن من الملائكة أشد اجتهادا، ولا أكثر علما منه، فلما تكبر على الله وأبى السجود لآدم وعصاه، طرده الله ولعنه، وجعله شيطانا وسماه إبليس.
وهذا قول ، ابن مسعود ، وابن جريج ، وأكثر المفسرين. وقتادة
وقوله: "أبى" أي: أبى السجود ولم يسجد.
وقوله: واستكبر ومعنى الاستكبار: الأنفة مما لا ينبغي أن يؤنف منه.
وقوله: "وكان من الكافرين" أي: صار، كقوله: وحال بينهما الموج فكان من المغرقين ، وقال الأكثرون: وكان في سابق علم الله من الكافرين.
[ ص: 121 ] وقوله: وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة أي: اتخذاها مأوى ومنزلا، وليس معناه: استقر في مكانك ولا تتحرك، وهذا اللفظ مشترك، يقال: أسكنه، أي: أزال حركته، وأسكنه مكان كذا: أي جعله مأوى ومنزلا له.
وقوله: "وزوجك" لفظ مذكر، ومعناه مؤنث، وكان يؤثر ترك الهاء في الزوجة، والقرآن كله عليه. الأصمعي
وقوله: وكلا منها رغدا الرغد أو الرغد: سعة المعيشة، قال امرؤ القيس :
بينما المرء تراه ناعما يأمن الأحداث في عيش رغد
قال الليث : الرغد أن يأكل ما شاء إذا شاء حيث شاء.
وقوله: ولا تقربا هذه الشجرة معناه: لا تقرباها بالأكل؛ لأن آدم عصى بالأكل منها، لا بأن قربها، وهو نهي بأبلغ لفظ يكون، يقال: ما قربت هذا الأمر قربانا، أي: ما دنوت منه. والشجرة في اللغة: ما لها ساق يبقى في الشتاء، والنجم: ما ليس له ساق، ومنه قوله تعالى: والنجم والشجر يسجدان واختلفوا في الشجرة التي نهي آدم عنها، فقال ، ابن عباس وعطية ، ووهب ، : إنها السنبلة. وقتادة
وقال ، ابن [ ص: 122 ] مسعود : هي الكرم. والسدي
وقال : إنها التين. ابن جريج
وقوله: فتكونا من الظالمين أي: من العاصين الذين وضعوا أمر الله في غير موضعه، وأصل الظلم: وضع الشيء في غير موضعه، ومن أمثال العرب: "ومن شابه أباه فما ظلم".
قال : أي: ما وضع الشبه غير موضعه. الأصمعي
قوله: "فأزلهما الشيطان" أي: نحاهما وبعدهما، يقال: زلت قدمه زللا وزليلا، إذا لم تثبت وأزلها صاحبها، إذا حملها على الزلل، وقرأ فأزالهما، يقال: زال عن مكانه، وأزاله غيره. ونسب الفعل إلى الشيطان لأن زوالهما عنها إنما كان بتزيينه وتسويله، فلما كان ذلك منه بسبب أسند الفعل إليه. حمزة
وقوله: فأخرجهما مما كانا فيه أي: من الريثة والمنزلة ولين العيش، قال المفسرون: إن الحية أدخلت إبليس الجنة حتى قال لآدم : هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى فأبى أن يقبل منه، فقاسمهما بالله إنه لهما لمن الناصحين فاغترا، وما كانا يظنان أن أحدا يحلف بالله كذبا، فبادرت حواء إلى أكل الشجرة، ثم ناولت آدم حتى أكلها.
وقال : إنما رآهما على باب الجنة، لأنهما كانا يخرجان من الجنة. الحسن
وقوله: وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو الهبوط: النزول من علو إلى أسفل، والخطاب لآدم وحواء والحية وإبليس.
[ ص: 123 ] والعدو: اسم يقع على الواحد والجميع والذكر والأنثى، وأراد بهذا: العداوة التي بين آدم وحواء والحية وبين ذرية آدم من المؤمنين وإبليس.