الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      أخبرنا الأستاذ أبو منصور البغدادي ، أخبرنا أبو عمرو بن مطر ، حدثنا إبراهيم بن علي الذهلي ، حدثنا يحيى بن يحيى ، حدثنا عباد بن العوام ، عن سفيان بن حسين ، عن يعلى بن مسلمة ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : " أن آدم عليه السلام لما أكل من الشجرة التي نهي عنها، قال الله تعالى له: يا آدم ، ما حملك على ما صنعت؟ فاعتل آدم ، فقال: يا رب زينته لي حواء ، قال: فإني أعقبتها أن لا تحمل إلا كرها، ولا تضع إلا كرها، ودميتها في الشهر مرتين، فرنت حواء عند ذلك، فقيل: عليك الرنة، وعلى بناتك   " .

                                                                                                                                                                                                                                      أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم النصراباذي ، أخبرنا أبو الحسن العطار ، أخبرنا أحمد بن الحسن بن عبد الجبار ، حدثنا الحسن بن عرفة ، حدثني عبدة بن سليمان ، عن صالح بن حيان ، قال: رأيت عبد الله بن عمر يعالج حية صغيرة يريد أن يقتلها، فقلت: ما تصنع؟ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما سالمناهن منذ عاديننا فاقتلوهن حيث وجدتموهن"   [ ص: 124 ] قوله: ولكم في الأرض مستقر : موضع قرار، أحياء وأمواتا، ومتاع هو ما تمتعت به من أي شيء كان، وكل ما حصل التمتع به فهو متاع، قال المفسرون: فلنا في الأرض متاع من حيث الاستقرار عليها، والاغتذاء بما تنبتها من الثمار والأقوات.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: "إلى حين" الحين: وقت من الزمان يصلح للأوقات كلها، طالت أم قصرت، ويجمع على "الأحيان"، ثم يجمع "الأحيان": أحايين، والمراد بالحين هاهنا فيما ذكره أهل التفسير: حين الموت.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: فتلقى آدم من ربه كلمات التلقي هاهنا معناه: الأخذ والقبول، ومنه الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتلقى الوحي من جبريل عليه السلام ، أي: يتقبله ويأخذه.

                                                                                                                                                                                                                                      وقال الأصمعي : تلقت الرحم ماء الرجل: إذا قبلته، والكلمات: جمع الكلمة، والكلمة: تقع على القليل والكثير، وتقع على الحرف الواحد من الهجاء، ومعنى تلقى آدم من ربه الكلمات: هو أن الله تعالى ألهم آدم حتى اعترف بذنبه، وقال: ربنا ظلمنا أنفسنا الآية، فهذه الآية هي المعنية بالكلمات في قول الحسن ، وسعيد بن جبير ، ومجاهد .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 125 ]

                                                                                                                                                                                                                                      أخبرنا أبو بكر التميمي ، أخبرنا أبو الشيخ الحافظ ، حدثنا أبو يحيى عبد الرحمن بن محمد الرازي ، حدثنا سهل بن عثمان العسكري ، حدثنا المحاربي ، وعبيدة بن حميد ، عن أبان ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال: " لما أصاب آدم الخطيئة فزع إلى كلمة الإخلاص، فقال: لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك، عملت سوءا، وظلمت نفسي، فاغفر لي وأنت خير الغافرين، لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك، عملت سوءا وظلمت نفسي، فتب علي إنك أنت التواب الرحيم   " .

                                                                                                                                                                                                                                      وروى المنهال بن عمرو ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال: "الكلمات" هي: أن آدم عليه السلام، قال: يا رب ألم تخلقني بيدك؟ قال: بلى، قال: ألم تسكني جنتك؟ قال: بلى، قال: فلم أخرجتني منها؟  قال: بشؤم معصيتك، قال: يا رب، أرأيت إن تبت وأصلحت أراجعي أنت إلى الجنة؟ قال: نعم، قال: فهذه "الكلمات" .

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ ابن كثير : آدم بالنصب -وكلمات بالرفع- وذلك أن من الأفعال ما يكون إسناده إلى الفاعل كإسناده إلى المفعول، وذلك نحو: أصبحت، ونلت، ولقيت، تقول: نالني خير ونلت خيرا، وأصابني خير وأصبت خيرا، وتقول: لقيني زيد ولقيت زيدا، قال الله تعالى: وقد بلغني الكبر ، وقال: وقد بلغت من الكبر عتيا ، وإذا كانت معاني هذه الأفعال كما ذكرنا، فنصب ابن كثير آدم ورفعه الكلمات، في المعنى، كقول من رفع آدم ونصب الكلمات.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله تعالى: (فتاب عليه) معنى التوبة  في اللغة: الرجوع، وفي الشريعة: رجوع العبد من المعصية [ ص: 126 ] إلى الطاعة، فالعبد يتوب إلى الله، والله يتوب عليه، أي: يرجع إليه بالمغفرة، ومعنى قوله: فتاب عليه أي: عاد عليه بالمغفرة والرحمة.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله تعالى: إنه هو التواب الرحيم أي: يتوب على عبده بفضله إذا تاب إليه من ذنبه.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: قلنا اهبطوا منها جميعا كرر الأمر بالهبوط للتأكيد، فإما يأتينكم مني هدى أي: فإن يأتكم مني شريعة ورسول وبيان ودعوة، فمن تبع هداي أي: قبل أمري، اتبع ما أمرته به، فلا خوف عليهم في الآخرة، ولا هم يحزنون ولا حزن، والخطاب لآدم وحواء وذريتهما، أعلمهم الله تعالى أنه يبتليهم بالطاعة، ويجازيهم بالجنة عليها وأن هذا الابتلاء وقع عند الهبوط إلى الأرض.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: والذين كفروا وكذبوا بآياتنا هذه الآية إيعاد بالنار للكافرين بكتب الله وشرائعه، وهي مما خاطب الله تعالى به آدم وحواء وأعلمهما أن الكافر خالد في النار، والآيات جمع آية، ومعنى الآية في اللغة: العلامة، ومنه قوله تعالى: عيدا لأولنا وآخرنا وآية منك أي: علامة منك لإجابتك دعاءنا، وكل آية من كتاب الله تعالى علامة ودلالة على المقيمين فيها.

                                                                                                                                                                                                                                      وقال أبو عبيدة : معنى الآية: أنها علامة لانقطاع الكلام الذي قبلها وانقطاعه عن الذي بعدها.

                                                                                                                                                                                                                                      وقال ابن السكيت : يقال: خرج القوم بآيتهم: أي: بجماعتهم، لم يدعوا وراءهم شيئا، وعلى هذا القول معنى الآية من كتاب الله تعالى: جماعة حروف دالة على معنى مخصوص.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية