قوله تعالى: (يا بني إسرائيل) يعني: يا أولاد يعقوب ، وإسرائيل هو يعقوب ، ولا ينصرف لاجتماع العجمة والمعرفة فيه، وكل اسم اجتمعا فيه وزاد عن ثلاثة أحرف لم ينصرف عند أحد من النحويين.
.
وقوله تعالى: اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم أراد: نعمي، فأوقع الواحد موقع الجماعة، كقوله تعالى: وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها وهذه النعم هي: أن الله تعالى فلق لهم البحر، وأنجاهم من عدوهم، وظلل عليهم الغمام، وأنزل عليهم المن والسلوى، إلى سائر ما أنعم الله تعالى به عليهم، وهي مذكورة في قوله تعالى: اذكروا نعمة الله عليكم إذ جعل فيكم أنبياء وأراد بقوله: عليكم أي: على آبائكم وأسلافكم، وجعلها عليهم لأن النعمة على آبائهم نعمة عليهم. فإن قيل: اليهود أبدا يذكرون هذه النعم، فلم ذكروا ما لم ينسوه؟ قيل: المراد بقوله: اذكروا: اشكروا، وذكر النعمة: شكرها، وإذا لم يشكروها حق شكرها فكأنهم نسوها، وإن أكثروا ذكرها.
وقال : أراد: اذكروا ما أنعمت به عليكم فيما استودعتكم من علم التوراة، وبينت لكم من صفة ابن الأنباري محمد صلى الله عليه وسلم، وألزمتكم من تصديقه واتباعه، فلما بعث ولم يتبعوه كانوا كالناسين لهذه النعمة.
وقوله تعالى: وأوفوا بعهدي يقال: وفيت بالعهد، وأوفيت به سواء، أي: أتممته. قال : هذا العهد هو أن الله تعالى عهد إليهم في التوراة أنه باعث نبيا يقال له: محمد، فمن تبعه كان له أجران اثنان: أجر باتباعه ابن عباس موسى وإيمانه بالتوراة، وأجر باتباعه محمدا عليه السلام وإيمانه بالقرآن، ومن كفر به تكاملت أوزاره وكانت النار جزاءه، فقال الله عز وجل: (وأوفوا بعهدي) في اتباع محمد صلى الله عليه وسلم، (أوف بعهدكم) أدخلكم الجنة.
[ ص: 128 ] وقوله تعالى: وإياي فارهبون أي: خافون في نقض العهد، لا ما يفوتكم من المآكل والرياسة.
وقوله عز وجل (وآمنوا بما أنزلت) يعني القرآن، (مصدقا لما معكم) موافقا للتوراة في التوحيد والنبوة، ولا تكونوا أول كافر به قال : أراد أول من يكفر به، وقال الفراء البصريون : أراد أول فريق كافر أو حزب كافر، ثم حذف المنعوت وأقيم نعته مقامه، والهاء في به يعود إلى ما في قوله تعالى: (بما أنزلت) : وهو القرآن، والمعنى: ولا تكونوا أول كافر بالقرآن من أهل الكتاب؛ لأن قريشا كفرت قبل اليهود بمكة ، والخطاب لعلماء اليهود، وإذا كفروا بالقرآن كفر أتباعهم فيكونون أئمة في الضلالة، (ولا تشتروا): ولا تستبدلوا، (بآياتي) يعني ما في التوراة من بيان صفة محمد صلى الله عليه وسلم ونعته، (ثمنا قليلا) عرضا يسيرا من الدنيا، وذلك أن رؤساء اليهود كانت لهم مآكل يصيبونها من سفلتهم وعوامهم، فخافوا إن هم بينوا صفة محمد صلى الله عليه وسلم وتابعوه أن تفوتهم تلك المآكل والرياسة، واختاروا الدنيا على الآخرة، (وإياي فاتقون) فاخشون في أمر محمد ، لا ما يفوتكم من الرياسة.
قوله تعالى: ولا تلبسوا الحق بالباطل يقال: لبست الأمر ألبسه لبسا، إذا خلطته وعميته، ومنه قوله تعالى: وللبسنا عليهم ما يلبسون ، والمعنى: ولا تخلطوا الحق الذي أنزلت عليكم من صفة محمد صلى الله عليه وسلم بالباطل الذي تكتبونه بأيديكم من تغيير صفته وتبديل نعته.
قال : إن اليهود أقروا ببعض صفة مقاتل محمد صلى الله عليه وسلم وكتموا بعضا، ليصدقوا في ذلك، فقال الله تعالى: (ولا تلبسوا الحق) الذي تقرون به وتبينونه، (بالباطل): يعني بما تكتمونه، فالحق: بيانهم، والباطل: كتمانهم.
[ ص: 129 ] وقوله تعالى: وتكتموا الحق هو عطف على المجزوم في قوله: ولا تلبسوا أي: ولا تكتموا الحق، وأنتم تعلمون أن محمدا صلى الله عليه وسلم نبي مرسل، قد أنزل عليكم ذكره في كتابكم، واليهود جحدوا نبوة محمد صلى الله عليه وسلم مع العلم بأنه نبي، فلم ينفعهم ذلك العلم؛ لأن جاحد النبوة كافر.
قوله تعالى: (وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة) "الزكاة": تطهير للمال وإصلاح له وتثمير ونماء، كل ذلك قد قيل، وأصلها: من الزيادة، يقال: زكا الزرع يزكو زكاء، ممدود، وكل شيء يزداد فهو يزكو، قال النابغة :
وما أخرت من دنياك نقص وإن قدمت عاد لك الزكاء
يعني الزيادة.
وسمي ما (يخرج من المال للمساكين بإيجاب الشرع زكاة لأنها تزيد المال الذي يخرج) منه، وتوفره، وتقيه الآفات.
قوله تعالى: "واركعوا مع الراكعين" معنى الركوع في اللغة: الانحناء، يقال للشيخ إذا انحنى من الكبر: ركع.
قال لبيد :
أخبر أخبار القرون التي مضت أدب كأني كلما قمت راكع
قال المفسرون: معناه: وصلوا مع المصلين محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فعبر بالركوع عن جميع الصلاة؛ إذ كان ركنا من أركانها، وإنما قال: واركعوا بعد قوله: وأقيموا الصلاة لأنه أراد الحث على إقامة الصلاة في جماعة، وقيل: لأنه لم يكن في دين اليهود ولا في صلاتهم ركوع، فذكر ما اختص بشريعة الإسلام، والآية خطاب لليهود.