ثم بعثنا من بعدهم موسى بآياتنا إلى فرعون وملئه فظلموا بها فانظر كيف كان عاقبة المفسدين وقال موسى يا فرعون إني رسول من رب العالمين حقيق على أن لا أقول على الله إلا الحق قد جئتكم ببينة من ربكم فأرسل معي بني إسرائيل قال إن كنت جئت بآية فأت بها إن كنت من الصادقين فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين ونزع يده فإذا هي بيضاء للناظرين قال الملأ من قوم فرعون إن هذا لساحر عليم يريد أن يخرجكم من أرضكم فماذا تأمرون قالوا أرجه وأخاه وأرسل في المدائن حاشرين يأتوك بكل ساحر عليم
[ ص: 392 ] قوله: ثم بعثنا من بعدهم من بعد الأنبياء الذين جرى ذكرهم، موسى بآياتنا بما آتيناه من المعجزات إلى فرعون وملئه فظلموا بها قال فكذبوا بها. ابن عباس:
قال الزجاج: جعلوا بدل الإيمان بها الكفر.
فانظر كيف كان عاقبة المفسدين فانظر بعين قلبك كيف فعلنا بهم، وكيف عاقبناهم.
قوله: حقيق على أن لا أقول على الله إلا الحق ، على هاهنا بمعنى الباء، قال العرب تجعل على بمعنى الباء، يقولون: رميت على القوس، وبالقوس، وجئت على حال حسنة وبحال حسنة. الفراء:
وفي حرف عبد الله: حقيق بأن لا أقول، والمعنى: أنا حقيق بأن لا أقول، وقرأ نافع: علي مشددة بالياء، قال المعنى واجب علي ترك القول على الله إلا بالحق وهو أنه لا إله غيره، والمعنى: أن الزجاج: موسى عليه السلام قال: واجب علي أن لا أقول في وصف الله تعالى إلا ما هو الحق وهو توحيده، وتنزيهه عن الشريك.
قد جئتكم ببينة من ربكم قال يعني: العصا. ابن عباس:
فأرسل معي بني إسرائيل أطلق عنهم وخلهم، وكان فرعون قد استخدمهم في الأعمال الشاقة من نحو ضرب اللبن، ونقل التراب، وقوله: فإذا هي ثعبان مبين الثعبان: الحية الضخم الذكر، وهو من أعظم الحيات، قال ملأت الحية دار فرعون، ثم فتحت فاها، فإذا شدقها ثمانون ذراعا، ثم شدت على فرعون لتبتلعه، فوثب فرعون عن سريره وهرب، وقام به بطنه ذلك اليوم أربع مائة مرة، ولم يستمسك بطنه بعد ذلك اليوم حتى هلك، ثم أدخل الكلبي: موسى يده جيب مدرعته، ثم أخرجها فإذا هي بيضاء للناظرين لها شعاع ساطع يغلب شعاع الشمس، يضيء ما بين السماء والأرض، فذلك قوله: ونزع يده أي: أخرجها من جيبه، فإذا هي بيضاء للناظرين ، فلما رأوا ذلك قالوا: إن هذا لساحر عليم يعنون أنه حاذق بالسحر، نسبوا ذلك إلى السحر.
يريد أن يخرجكم يا معشر القبط، من أرضكم: ويزيل ملككم [ ص: 393 ] بتقوية بني إسرائيل عليكم، فقال فرعون لما قال الملأ ذلك: فماذا تأمرون: قال ما الذي تشيرون به علي؟ ابن عباس: قالوا أرجه وأخاه ، وقرئ بالهمزة، وهما لغتان، يقال: أرجأت الأمر وأرجيته.
إذا أخرته، ومنه قوله تعالى: مرجون لأمر الله ، و ترجي من تشاء ، فيهما القراءتان، والمعنى أخره، وأخر أمره، ولا تعجل عليه، ثم [ ص: 394 ] طلبوا معارضة المعجزة بالحيلة، فقالوا: وأرسل في المدائن حاشرين قال يريد: في مدائن ابن عباس: صعيد مصر رجالا يحشرون إليك من فيها من السحرة، وكان رؤساء السحرة بأقصى مدائن الصعيد، يأتوك بكل ساحر عليم .