الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      إنما مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض مما يأكل الناس والأنعام حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلا أو نهارا فجعلناها حصيدا كأن لم تغن بالأمس كذلك نفصل الآيات لقوم يتفكرون  والله يدعو إلى دار السلام ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم  

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: إنما مثل الحياة الدنيا ضرب الله تعالى مثلا للحياة في هذه الدار الفانية، فشبهها بمطر، وهو قوله: كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض يعني: التف وكثر وتداخل بذلك الماء من كل نوع من المرعى والكلأ والبقول والحبوب والثمار، وهو قوله:مما يأكل الناس والأنعام حتى إذا أخذت الأرض زخرفها قال ابن عباس: زينتها وحسنها وخصبها.

                                                                                                                                                                                                                                      يعني: حسن ألوان الزهر الذي يروق البصر ، قال الزجاج: الزخرف كمال حسن الشيء.

                                                                                                                                                                                                                                      وهو قوله: وازينت أي: تزينت، وظن أهلها أي: أهل تلك الأرض، أنهم قادرون عليها أي: على نباتها الذي أنبتته، قال ابن عباس: على حصادها وجذاذها وقطعها.

                                                                                                                                                                                                                                      أتاها أمرنا ليلا أو نهارا قال ابن عباس: عذابنا.

                                                                                                                                                                                                                                      والمعنى: أمرنا بهلاكها، فجعلناها [ ص: 544 ] حصيدا محصودا لا شيء فيها، والحصيد: المقطوع المستأصل، كأن لم تغن بالأمس خلت كأن لم تكن أمس، ولم تقم على الصفة التي كانت فيما قبل، من قولهم: غني القوم بالمكان.

                                                                                                                                                                                                                                      إذا أقاموا به، والمراد: الغلة التي أخرجتها الأرض، وما سبق من الكلام يدل على الغلة، وقال الزجاج: كأن لم تعمر بالأمس.

                                                                                                                                                                                                                                      قال: والمغاني: المنازل التي يعمرها أهلها بالنزول بها.

                                                                                                                                                                                                                                      ونحو هذا قال ابن قتيبة: كأن لم تكن عامرة بالأمس.

                                                                                                                                                                                                                                      وعلى هذا المراد به الأرض وتأويل الآية: أن الحياة في الدنيا سبب لاجتماع المال وزهرة الدنيا مما يروق ويعجب حتى إذا استتم ذلك وكثر عند صاحبه وظن أنه ممتع به، سلب ذلك بموته أو بحادثة تهلكه كما أن الماء سبب لالتفاف النبات، وكثرته حتى تتزين به الأرض وتظهر بهجتها، وظن الناس أنهم مستمتعون بذلك أهلكها الله وردها إلى الفناء حتى كأن لم تكن، قوله تعالى: والله يدعو إلى دار السلام أي: يبعث الرسول، ونصب الأدلة يدعو إلى الجنة، ذكرنا ذلك عند قوله: لهم دار السلام عند ربهم ، وقوله: ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم عم بالدعوة وخص بالهداية من شاء؛ لأن الحكم له في خلقه يفعل ما يشاء.

                                                                                                                                                                                                                                      أخبرنا أبو القاسم بن عبدان، أنا محمد بن عبد الله بن نعيم القاضي، حدثني طاهر بن يحيى البيهقي، نا عبد الله بن صالح، حدثني الليث، حدثني خالد بن يزيد، عن سعيد بن أبي هلال، سمعت أبا جعفر محمد بن علي بن الحسين وتلا هذه الآية والله يدعو إلى دار السلام ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم فقال: حدثني جابر بن عبد الله، قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما، فقال: " إني رأيت في المنام كأن جبريل عند رأسي وميكائيل عند رجلي يقول أحدهما لصاحبه: اضرب له مثلا، فقال: اسمع سمعت أذنك واعقل عقل قلبك، وإنما مثلك ومثل أمتك كمثل ملك اتخذ دارا، ثم جعل فيه مأدبة ثم بعث رسولا يدعو الناس إلى طعامهم فمنهم من أجاب الرسول ومنهم من ترك فالله هو الملك، والدار الإسلام، والبيت الجنة، وأنت يا محمد الرسول فمن أجابك دخل الإسلام، ومن دخل الإسلام دخل الجنة، ومن دخل الجنة أكل منها".  

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية