إنما مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض مما يأكل الناس والأنعام حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلا أو نهارا فجعلناها حصيدا كأن لم تغن بالأمس كذلك نفصل الآيات لقوم يتفكرون والله يدعو إلى دار السلام ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم
قوله: إنما مثل الحياة الدنيا ضرب الله تعالى مثلا للحياة في هذه الدار الفانية، فشبهها بمطر، وهو قوله: كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض يعني: التف وكثر وتداخل بذلك الماء من كل نوع من المرعى والكلأ والبقول والحبوب والثمار، وهو قوله: مما يأكل الناس والأنعام حتى إذا أخذت الأرض زخرفها قال زينتها وحسنها وخصبها. ابن عباس:
يعني: حسن ألوان الزهر الذي يروق البصر ، قال الزخرف كمال حسن الشيء. الزجاج:
وهو قوله: وازينت أي: تزينت، وظن أهلها أي: أهل تلك الأرض، أنهم قادرون عليها أي: على نباتها الذي أنبتته، قال على حصادها وجذاذها وقطعها. ابن عباس:
أتاها أمرنا ليلا أو نهارا قال عذابنا. ابن عباس:
والمعنى: أمرنا بهلاكها، فجعلناها [ ص: 544 ] حصيدا محصودا لا شيء فيها، والحصيد: المقطوع المستأصل، كأن لم تغن بالأمس خلت كأن لم تكن أمس، ولم تقم على الصفة التي كانت فيما قبل، من قولهم: غني القوم بالمكان.
إذا أقاموا به، والمراد: الغلة التي أخرجتها الأرض، وما سبق من الكلام يدل على الغلة، وقال كأن لم تعمر بالأمس. الزجاج:
قال: والمغاني: المنازل التي يعمرها أهلها بالنزول بها.
ونحو هذا قال كأن لم تكن عامرة بالأمس. ابن قتيبة:
وعلى هذا المراد به الأرض وتأويل الآية: أن الحياة في الدنيا سبب لاجتماع المال وزهرة الدنيا مما يروق ويعجب حتى إذا استتم ذلك وكثر عند صاحبه وظن أنه ممتع به، سلب ذلك بموته أو بحادثة تهلكه كما أن الماء سبب لالتفاف النبات، وكثرته حتى تتزين به الأرض وتظهر بهجتها، وظن الناس أنهم مستمتعون بذلك أهلكها الله وردها إلى الفناء حتى كأن لم تكن، قوله تعالى: والله يدعو إلى دار السلام أي: يبعث الرسول، ونصب الأدلة يدعو إلى الجنة، ذكرنا ذلك عند قوله: لهم دار السلام عند ربهم ، وقوله: ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم عم بالدعوة وخص بالهداية من شاء؛ لأن الحكم له في خلقه يفعل ما يشاء.
أخبرنا أبو القاسم بن عبدان، أنا محمد بن عبد الله بن نعيم القاضي، حدثني طاهر بن يحيى البيهقي، نا عبد الله بن صالح، حدثني الليث، حدثني خالد بن يزيد، عن سمعت سعيد بن أبي هلال، أبا جعفر محمد بن علي بن الحسين وتلا هذه الآية والله يدعو إلى دار السلام ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم فقال: حدثني قال: جابر بن عبد الله، جبريل عند رأسي وميكائيل عند رجلي يقول أحدهما لصاحبه: اضرب له مثلا، فقال: اسمع سمعت أذنك واعقل عقل قلبك، وإنما مثلك ومثل أمتك كمثل ملك اتخذ دارا، ثم جعل فيه مأدبة ثم بعث رسولا يدعو الناس إلى طعامهم فمنهم من أجاب الرسول ومنهم من ترك فالله هو الملك، والدار الإسلام، والبيت الجنة، وأنت يا محمد الرسول فمن أجابك دخل الإسلام، ومن دخل الإسلام دخل الجنة، ومن دخل الجنة أكل منها". خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما، فقال: " إني رأيت في المنام كأن