واتل عليهم نبأ نوح إذ قال لقومه يا قوم إن كان كبر عليكم مقامي وتذكيري بآيات الله فعلى الله توكلت فأجمعوا أمركم وشركاءكم ثم لا يكن أمركم عليكم غمة ثم اقضوا إلي ولا تنظرون فإن توليتم فما سألتكم من أجر إن أجري إلا على الله وأمرت أن أكون من المسلمين فكذبوه فنجيناه ومن معه في الفلك وجعلناهم خلائف وأغرقنا الذين كذبوا بآياتنا فانظر كيف كان عاقبة المنذرين [ ص: 555 ] ثم بعثنا من بعده رسلا إلى قومهم فجاءوهم بالبينات فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا به من قبل كذلك نطبع على قلوب المعتدين ثم بعثنا من بعدهم موسى وهارون إلى فرعون وملئه بآياتنا فاستكبروا وكانوا قوما مجرمين فلما جاءهم الحق من عندنا قالوا إن هذا لسحر مبين قال موسى أتقولون للحق لما جاءكم أسحر هذا ولا يفلح الساحرون
قوله: واتل عليهم نبأ نوح أي: اقرأ واقصص على قومك خبر نوح وقصته مع قومه، وذلك لما فيه من الدليل للنبي صلى الله عليه وسلم على نبوته، ولقومه من الاعتبار بقوم نوح وما حل بهم من العقوبة والتكذيب، وقوله: إذ قال لقومه يعني: نوح، يا قوم إن كان كبر عليكم مقامي عظم وثقل وشق عليكم إقامتي بين أظهركم ولبثي فيكم وتذكيري بآيات الله قال وعظي وتخويفي إياكم عقوبة الله، ابن عباس: فعلى الله توكلت في نصرتي ودفع شركم عني فأجمعوا أمركم معنى الإجماع: العزم على أمر محكم لا يخالف، وقوله: وشركاءكم قال وادعوا شركاءكم دعاء استغاثة بهم. الفراء:
وكذلك في قراءة عبد الله، وقال الواو بمعنى مع، والمعنى: فأجمعوا أمركم مع شركائكم. الزجاج:
ثم لا يكن أمركم عليكم غمة أي: مبهما، ليكن أمركم ظاهرا منكشفا لا تسترون معاداتي، ثم اقضوا إلي ثم امضوا إلي بمكروهكم، وما توعدونني به، ومعنى قضاء الشيء: إحكامه وإمضاؤه والفراغ منه، وهذا إخبار عن نوح أنه كان ينصر الله واثقا من كيد قومه غير خائف، فإن توليتم أعرضتم عن الإيمان، فما سألتكم من أجر أي: لم يكن دعائي إياكم طمعا في مالكم، إن أجري ما ثوابي إلا على الله .
قوله: وجعلناهم خلائف جعل الله الذين نجوا مع نوح من الغرق خلفا ممن هلك، كما قال: وجعلنا ذريته هم الباقين وذلك أن الناس كانوا من ذريته بعد الغرق، وهلك أهل الأرض جميعا بتكذيبهم لنوح عليه السلام سوى ذريته الذين نجوا معه، وذلك قوله: وأغرقنا الذين كذبوا بآياتنا الآية، قوله: ثم بعثنا من بعده أي: من بعد نوح رسلا إلى قومهم قال يريد: ابن عباس: إبراهيم، وهودا، وصالحا، ولوطا، وشعيبا، فجاءوهم بالبينات بأنهم رسل الله فما كانوا: أولئك الأقوام الذين بعث إليهم الرسل ليؤمنوا بما كذبوا به من قبل يعني: قوم نوح، أي: لم يصدقوا بما كذب به قوم نوح، وكانوا مثلهم في الكفر والعتو كذلك نطبع على قلوب المعتدين قال يريد: أن الله طبع على قلوبهم فأعماها، فلا يبصرون سبيل الهدى. ابن عباس: