ثم أوفى يوسف لإخوته الكيل، وحمل لهم بعيرا بعيرا وحمل لبنيامين بعيرا باسمه، كما حمل لهم وأمر بسقاية الملك فجعل في رحل بنيامين فذلك قوله: فلما جهزهم بجهازهم جعل السقاية في رحل أخيه ثم أذن مؤذن أيتها العير إنكم لسارقون قالوا وأقبلوا عليهم ماذا تفقدون قالوا نفقد صواع الملك ولمن جاء به حمل بعير وأنا به [ ص: 623 ] زعيم قالوا تالله لقد علمتم ما جئنا لنفسد في الأرض وما كنا سارقين قالوا فما جزاؤه إن كنتم كاذبين قالوا جزاؤه من وجد في رحله فهو جزاؤه كذلك نجزي الظالمين فبدأ بأوعيتهم قبل وعاء أخيه ثم استخرجها من وعاء أخيه كذلك كدنا ليوسف ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك إلا أن يشاء الله نرفع درجات من نشاء وفوق كل ذي علم عليم قالوا إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل فأسرها يوسف في نفسه ولم يبدها لهم قال أنتم شر مكانا والله أعلم بما تصفون قالوا يا أيها العزيز إن له أبا شيخا كبيرا فخذ أحدنا مكانه إنا نراك من المحسنين قال معاذ الله أن نأخذ إلا من وجدنا متاعنا عنده إنا إذا لظالمون
فلما جهزهم بجهازهم جعل السقاية في رحل أخيه والسقاية: الصواع الذي كان يشرب فيه الملك، قال كان قدحا من زبرجد. ابن عباس:
وقال ابن زيد: كان كأسا من ذهب.
وقال كان مشربة من فضة مرصعة بالجواهر. عكرمة:
قال أصحاب الأخبار: لما قال يوسف لبنيامين: إني أنا أخوك، قال: فأنا لا أفارقك بعد هذا.
قال يوسف: قد علمت اغتمام الوالد بي وأنا إن حبستك عنه ازداد غمه ولا يمكنني حبسك إلا بعد أن أشهرك بأمر فظيع.
قال: لا أبالي، فافعل ما بدا لك.
قال: فإني أدس صاعي هذا في رحلك، ثم أنادي عليك بالسرقة ليتهيأ لي ردك بعد تسريحك.
فذلك قوله: جعل السقاية في رحل أخيه وكان مشربة يشرب منها الملك جعلها يوسف مكيالا لئلا يكال بغيرها، ثم ارتحلوا، وأمهلهم يوسف حتى أمعنوا في الطلب، ثم أمر بهم فأدركوا وحبسوا ثم أذن مؤذن نادى مناد وأعلم معلم: أيتها العير قال معناه: يا أصحاب العير وكل ما أشير عليه من الإبل والحمير والبغال فهو عير. الزجاج:
إنكم لسارقون ناداهم المنادي وعنده: أنهم قد سرقوا السقايا، ولم يعلم أن يوسف أمر بوضعها في رحل أخيه.
قالوا يعني: أصحاب العير وهم إخوة يوسف وأقبلوا على أصحاب يوسف: ماذا تفقدون ما الذي فقدتموه من متاعكم قالوا نفقد صواع الملك قال الصواع: هو الصاع بعينه وهو يذكر ويؤنث وهو السقاية. الزجاج:
وقال الحسن: الصواع والسقاية شيء واحد.
ولمن جاء به [ ص: 624 ] الصواع حمل بعير من الطعام وأنا به زعيم كفيل، يقول المؤذن وقد ضمن حمل بعير لمن رد إليه الصواع، قالوا تالله لقد علمتم ما جئنا لنفسد في الأرض حلفوا على علم قوم يوسف لأنهم غير قاصدين لفساد لأنهم كانوا معروفين بأنهم لا يظلمون أحدا، وذلك أنهم لما وجدوا بضاعتهم في رحالهم لم يستحلوا أخذها، وبادروا بردها وذلك قوله: وما كنا سارقين ومن رد ما وجد كيف يكون سارقا.
قالوا فما جزاؤه أي: ما جزاء السرق إن كنتم كاذبين في قولكم: وما كنا سارقين؟ قالوا جزاؤه من وجد في رحله قال المفسرون: كانوا في ذلك الزمان يستعبدون كل سارق بسرقته وكان ذلك لهم كالقطع في شرعنا.
لذلك قالوا جزاؤه من وجد في رحله أي: جزاء السرق السارق، وهو الإنسان الذي وجد المسروق في رحله، وقوله: فهو جزاؤه زيادة في الإبانة كذلك مثل ما ذكرنا من الجزاء نجزي الظالمين يعني: إذا سرق استرق، فقال لهم المؤذن: لا بد من تفتيش أمتعتكم.
وانصرف بهم إلى يوسف، فبدأ يوسف في التفتيش بأوعيتهم قبل وعاء أخيه لإزالة التهمة ثم استخرجها يعني السقاية من وعاء أخيه قال المفسرون: ولما فتش أوعيتهم ولم يبق إلا رحل بنيامين، قال يوسف: ما أظن هذا أخذ شيئا.
فقال إخوته: والله لا نبرح حتى تنظر في رحله، فإنه أطيب لنفسك.
فلما فتحوا متاعه استخرجوا الصاع منه، فأقبلوا على بنيامين، وقالوا: إيش الذي صنعت؟ فضحتنا وسودت وجوهنا متى أخذت هذا الصاع؟ فقال: وضع هذا الصاع في رحلي الذي وضع الدراهم في رحالكم.
وقوله: كذلك كدنا ليوسف أي: دبرنا له بأن ألهمناه أن يجعل السقاية في رحل أخيه ليتوصل به إلى حبسه ما كان يوسف ليأخذ أخاه في دين الملك قال ابن عباس في حكم الملك وقضائه، وذلك أن حكم الملك في السارق أن يضرب ويغرم ضعفي ما سرق، فلم يكن يتمكن وقتادة: يوسف من حبس أخيه عنده في حكم الملك لولا ما كاد الله له تلطفا، حتى وجد السبيل إلى ذلك وهو ما أجرى على ألسنة إخوته أن جزاء السارق الاسترقاق، فأقروا به وكان ذلك مراده وهو معنى قوله: إلا أن يشاء الله فكان ذلك بمشيئة الله، وقوله: نرفع درجات من نشاء أي: بضروب الإعطاء والكرامات وأبواب العلوم كما رفعنا درجة يوسف وفوق كل ذي علم ممن رفعه الله عليم قد رفعه الله بالعلم فهو أعلم منه، قال يكون هذا أعلم من هذا، وهذا أعلم من هذا حتى ينتهي العلم إلى الله تعالى. ابن عباس:
قالوا أي: الإخوة ليوسف إن يسرق بنيامين الصواع فقد سرق أخ له من قبل قال يريدون ابن عباس: يوسف، وكان يوسف يأخذ الطعام من مائدة أبيه سرا فيتصدق به.
وقال سعيد بن جبير، سرق صنما لجده أبي أمه فكسره وألقاه، وقال وقتادة: محمد بن إسحاق، إن جدته خبأت في ثيابه منطقة كانت لإسحاق يتوارثونها بالكبر لتملكه بالسرق محبة لمقامه عندها. ومجاهد:
وقوله: فأسرها يوسف في نفسه ولم يبدها لهم أي: أسر إجابة [ ص: 625 ] هذا الكلام وأضمرها في نفسه ولم يظهرها، وقال لهم أنتم شر مكانا شر صنيعا بما أقدمتم عليه من ظلم أخيكم وعقوق أبيكم، فأنتم شر مكانا عند الله منه والله أعلم بما تصفون قال أعلم أسرق أخ له أم لا. الزجاج:
قالوا يا أيها العزيز إن له أبا شيخا كبيرا في السن فخذ أحدنا مكانه واحدا منا تستعبده بدله إنا نراك من المحسنين أي: إذا فعلت ذلك فقد أحسنت إلينا.
قال معاذ الله اعتصاما بالله أن نأخذ إلا من وجدنا متاعنا عنده أي: أستعيذ بالله من أن آخذ بريئا بسقيم إنا إذا لظالمون إن استعبدت غير الذي سرقنا.