قوله: ولما فصلت العير يقال: فصل فلان من عند فلان فصولا.
إذا خرج من عنده، قال المفسرون: لما خرجت العير من مصر متوجهة إلى كنعان قال أبوهم لمن حضره من أهله وقرابته وولد ولده وأولاده كانوا غائبين عنه إني لأجد ريح يوسف قال هاجت ريح فحملت قميص ابن عباس: يوسف إلى يعقوب وبينهما مسيرة ثماني ليال، وقال هبت ريح فضربت القميص ففاحت روائح الجنة في الدنيا، واتصلت مجاهد: بيعقوب، فوجد ريح الجنة فعلم أنه ليس في الدنيا من ريح الجنة إلا ما كان من ذلك القميص فمن ثم قال: إني لأجد ريح يوسف وذكر في القصة: أن ريح الصبا استأذنت ربها في أن تأتي يعقوب بريح يوسف قبل أن يأتيه البشير بالقميص فأذن لها، فأتته بها ولذلك يستروح كل محزون بريح الصبا، ويتنسمها المكربون فيجدون لها روحا، وقد أكثر الشعراء ذكرها في أشعارهم، وهي تأتي من ناحية الشرق، وفيها لين إذا هبت على الأبدان نعمتها ولينتها، وهيجت الأشواق إلى الأحباب، والحنين إلى الأوطان، قال أبو صخر الهذلي:
[ ص: 633 ] إذا قلت هذا حين أسلو يهيجني نسيم الصبا من حيث يطلع الفجر
وقال آخر:أيا جبلي نعمان بالله خليا نسيم الصبا يخلص إلي نسيمها
فإن الصبا ريح إذا ما تنفست على نفس مهموم تجلت همومها
ولقد تهب لي الصبا من أرضها فيلذ مس هبوبها ويطيب لي
يندي على كبدي وينقح غلتي ويبل حر فؤادي المشتعل
أخبرنا عبد القاهر البغدادي، نا بشر بن أحمد، نا محمد بن يحيى، نا أنا عاصم بن علي، عن شعبة، قال: سمعت أبي سنان ضرار بن مرة، يحدث، عبد الله بن أبي الهذيل في قوله ابن عباس إني لأجد ريح يوسف ، قال: وجد ريحه من مسيرة ما بين البصرة والكوفة وقوله: عن لولا أن تفندون الفند: ذهاب العقل من الهرم، يقال: أفند الرجل.
إذا خرف وتغير عقله، وفنده إذا نسبه إلى الجهل والخرق ، قال لولا أن تسفهوني. أبو عبيدة:
وقال لولا أن تجهلوني. الزجاج:
وقال لولا أن تقولوا ذهب عقلك. مجاهد:
قالوا تالله إنك لفي ضلالك القديم قال وغيره: معنى الضلال هاهنا الشقاء. مقاتل،
يعنون: شقاء الدنيا وهو ما يكابد من الأحزان على يوسف، وقال في حبك قتادة: ليوسف ما تنساه ولا تسلاه.
وهذا كقوله: إن أبانا لفي ضلال مبين وقد مر، وقال إنما قالوا هذا لأنه كان عندهم أن يوسف قد مات، وأن الحسن: يعقوب بولوعه بذكره ذاهب عن الصواب.
قوله: فلما أن جاء البشير الآية، قال المفسرون: البشير كان يهوذا بن [ ص: 634 ] يعقوب، قال: إني جئته بالقميص ملطخا بالدم فأعطني اليوم قميصك لأخبره أنك حي فأفرحه كما أحزنته، فحمل القميص وخرج حاسرا حافيا يعدو، وكان معه سبعة أرغفة لم يستوف أكلها حتى بلغ كنعان، وكانت المسافة ثمانين فرسخا، فلما أتى أباه ألقاه على وجهه فارتد بصيرا قال رجع إليه بصره بعد العمى، وقوته بعد الضعف، وشبابه بعد الهرم، وسروره بعد الحزن. الضحاك:
وقال في قوله فارتد بصيرا انجلى البياض وذهبت الظلمة. ابن عباس:
ومعنى الارتداد: انقلاب الشيء إلى حال قد كان عليها، والمعنى: عاد ورجع إلى حال البصر.
أخبرنا أبو بكر أحمد بن محمد الأصبهاني، أنا عبد الله بن محمد بن حيان، نا عبد الرحمن بن محمد الرازي، نا سهل العسكري، نا عن يحيى بن يمان، سفيان، قال: لما جاء البشير يعقوب قال: على أي دين تركت يوسف؟ قال: على الإسلام، قال: الآن تمت النعمة.
وقوله: ألم أقل لكم إني أعلم من الله ما لا تعلمون تقدم تفسيره، ثم سألوا أباهم أن يستغفر الله لهم ما آتوا إليه من إدخال الحزن عليه، وهو قوله: قالوا يا أبانا استغفر لنا الآية، قال يعقوب سوف أستغفر لكم ربي قال ابن عباس: وهو قول أخر دعاءه إلى السحر، ابن مسعود، وقتادة، وقال في رواية والسدي، الكلبي، وعكرمة: يقول حتى تأتي يوم الجمعة.
قال أراد الزجاج: يعقوب أن يستغفر لهم في وجه السحر في الوقت الذي هو أخلق لإجابة الدعاء، لا لأنه ضن عليهم بالاستغفار.
أخبرنا أحمد بن محمد بن الحارث، أنا عبد الله بن محمد الحافظ، نا عبد الرحمن بن محمد الرازي، نا نا سهل بن عثمان، عن أبو مالك، جويبر، عن عن الضحاك، ابن عباس، أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل: لم أخر يعقوب عن بنيه الاستغفار؟ قال: " أخرهم إلى السحر لأن دعاء السحر مستجاب " قالوا: وكان يوسف بعث مع البشير إلى يعقوب جهازا ومائتي راحلة، وسأله أن يأتيه بأهله وولده أجمعين، فتهيأ يعقوب للخروج إلى مصر، فلما دنا من مصر كلم يوسف الملك الأكبر الذي فوقه، فخرج يوسف في أربعة من الجند، وركب أهل مصر معهم يتلقون يعقوب، فلما نظر يعقوب إلى الخيل قال لابنه يهوذا: هذا فرعون مصر؟ قال: لا هذا ابنك.
فلما دنا كل واحد منهما من صاحبه قصد يوسف أن يبدأه بالسلام، فمنع من ذلك، وكان يعقوب أفضل وأحق بذلك منه، فابتدأ يعقوب بالسلام، فقال: السلام عليك يا مذهب الأحزان.
أخبرنا أبو القاسم محمد بن علي الصوفي الكوفي، أنا أبو الحسن علي بن أحمد بن يوسف، نا العباس بن محمد [ ص: 635 ] بن الحسن بن قتيبة، نا أبو بكر محمد بن يزيد المستملي، نا نا بشر بن الحارث، عن أبو بكر بن عياش، عن الكلبي، أبي صالح، قال: لما جمع الله بين ابن عباس، يوسف ويعقوب عليهما السلام أقبل يوسف، فقال: يا أبت حزنت علي حتى انحنيت؟ قال: نعم فقال: بكيت علي حتى ذهب بصرك؟ قال: نعم، قال: أما علمت أن القيامة تجمعني وإياك؟ قال: أي بني إني خشيت أن يسلب دينك فلا نجتمع. عن