[ ص: 630 ] فلما دخلوا عليه قالوا يا أيها العزيز مسنا وأهلنا الضر وجئنا ببضاعة مزجاة فأوف لنا الكيل وتصدق علينا إن الله يجزي المتصدقين قال هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه إذ أنتم جاهلون قالوا أإنك لأنت يوسف قال أنا يوسف وهذا أخي قد من الله علينا إنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين قالوا تالله لقد آثرك الله علينا وإن كنا لخاطئين قال لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين اذهبوا بقميصي هذا فألقوه على وجه أبي يأت بصيرا وأتوني بأهلكم أجمعين
فلما دخلوا عليه أي: على يوسف قالوا يا أيها العزيز مسنا وأهلنا الضر أي: أصابنا ومن يختص بنا الجوع والحاجة وجئنا ببضاعة مزجاة الإزجاء في اللغة: السوق والدفع قليلا قليلا، ومنه قوله: ألم تر أن الله يزجي سحابا قال كانت دراهم رديئة زيوفا لا تنفق في ثمن الطعام. ابن عباس:
وقال الحسن، والكلبي، كانت خلق الغيار والحبل والأقط، وقال ومجاهد: وكانت حبة الخضراء. مقاتل:
والمعنى: جئنا ببضاعة تتدافع بها الأيام وتتقوت ليست مما يتسع به، وقال أبو عبيد: إنما قيل للدراهم الرديئة مزجاة لأنها مردودة مدفوعة غير مقبولة ممن ينفقها.
ثم سألوه مساهلتهم في النقد وإعطائهم بدراهمهم مثل ما يعطى بالجياد، وهو قوله: فأوف لنا الكيل أتمه ولا تنقصه بسبب رداءة دراهمنا وتصدق علينا سامحنا بما بين النقدين وسعر لنا بالرديء كما تسعر بالجيد إن الله يجزي المتصدقين بالثواب فلما قالوا ليوسف: مسنا وأهلنا الضر رحمهم، وأدركته الرقة فدمعت عينه وقال: هل علمتم ما فعلتم بيوسف قال هذا الاستفهام يعني به تعظيم القصة وتوبيخهم عليها، ومعناه: ما أعظم ما ارتكبتم من ابن الأنباري: يوسف وما أقبح ما أتيتم من قطيعة رحمه وتضييع حقه كما تقول: هل تدري من عصيت؟ وهذه الآية تصديق قوله: لتنبئنهم بأمرهم هذا ، وقوله: وأخيه يعني: ما فعلوه به بإدخال الهم والجزع بإفراده عن أخيه، ولم يذكر أباه يعقوب مع عظم ما دخل عليه من الغم بفراقه تعظيما ورفعا من قدره، وعلما أن ذلك كان له بلاء من الله ليزيد في درجته عنده، وقوله: إذ أنتم جاهلون أي: بعقوق أبيكم وقطع رحم أخيكم، يعني فعلتم ذلك جهلا منكم، وروي عن إذ أنتم صبيان. ابن عباس:
وعن شبان. الحسن:
وعلى هذا يراد جهالة الصبي فالشاب، قال لما قال لهم الضحاك: يوسف: هل علمتم الآية، تبسم فلما أبصروا ثناياه وكانت كاللؤلؤ المنظوم شبهوه بيوسف، فقالوا له: أإنك لأنت يوسف قال [ ص: 631 ] أنا يوسف قال أظهر الاسم ولم يقل: أنا هو تعظيما لما وقع به من ظلم إخوته، كأنه قال: أنا المظلوم المستحل منه المحرم المراد قتله، فكفى ظهور الاسم من هذه المعاني. ابن الأنباري:
ولهذا قال: وهذا أخي وهم يعرفونه لأن قصده: وهذا المظلوم كظلمي قد من الله علينا قال بكل خير في الدنيا والآخرة. ابن عباس:
قال آخرون: بالجمع بيننا بعد التفرقة إنه من يتق ويصبر قال من يتق الله ويصبر على المصائب وعن المعاصي. ابن عباس:
وقال من يتق الزنا ويصبر على الأذى. مقاتل:
فإن الله لا يضيع أجر المحسنين أجر من كان هذا حاله.
قالوا تالله لقد آثرك الله علينا بالعلم والحلم والعقل والحسن والملك وإن كنا لخاطئين قال لمذنبين آثمين في أمرك. ابن عباس:
قال لا تثريب عليكم اليوم لا تعيير ولا توبيخ، يقال: ثربه.
إذا عيره، وروى عن ابن الأنباري، ثعلب: ثرب فلان على فلان إذا عدد عليه ذنوبه.
قال يريد لا لوم عليكم. ابن عباس:
وقال لا أعيركم بعد اليوم بهذا أبدا. الكلبي:
وقال أي: قد انقطع عنكم توبيخي عند اعترافكم بالذنب. ابن الأنباري:
ويجوز الوقف عند على قوله: عليكم ثم يقول: الأخفش اليوم يغفر الله لكم فيعلق اليوم بالغفران، وذكره أيضا، قال ابن الأنباري جعلهم في حل وسأل الله لهم المغفرة، وأخبرنا أن ابن عباس: الله أرحم بأوليائه من الوالدين بولدهما.
وهو قوله: وهو أرحم الراحمين ولما عرفهم يوسف نفسه سألهم عن أبيه فقال: ما فعل أبي بعدي؟ قالوا: ذهبت عيناه.
فأعطاهم قميصه، فهو قوله: اذهبوا بقميصي هذا فألقوه على وجه أبي الآية.
وكان من شأن ذلك القميص ما
أخبرنا أبو عبد الرحمن محمد بن أحمد بن محمد بن جعفر، أنا أبو علي بن أبي بكر الفقيه، أنا أبو لبابة محمد بن المهدي، نا نا عمار بن الحسن، شجاع بن أبي نصر، عن عن عباد بن كثير، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أنس بن مالك، إبراهيم في النار نزل إليه جبريل عليه السلام بقميص من الجنة وطنفسة من الجنة، فألبسه القميص وأقعده على الطنفسة وقعد معه يحدثه فكسى إبراهيم ذلك القميص إسحاق، وكساه إسحاق يعقوب، وكساه يعقوب يوسف فجعله في قصبة من فضة وعلقها في عنقه، فألقي في الجب والقميص في عنقه فذلك قوله اذهبوا بقميصي هذا " أما قوله: اذهبوا بقميصي هذا فإن نمروذ الجبار لما ألقى الآية ونحو هذا قال عامة المفسرين، قال أخرج لهم قصبة من فضة كانت في عنقه لم يعلم بها إخوته [ ص: 632 ] فيها قميص، وهو الذي نزل به ابن عباس: جبريل على إبراهيم.
وذكر القصة، وقال أمره جبريل أن أرسل إليه قميصك فإن فيه ريح الجنة لا يقع على مبتلى ولا سقيم إلا صح وعوفي، وقال مجاهد: لولا أن الله أعلمه لم يدر أنه يرجع إليه بصره. الحسن:
فذلك قوله: يأت بصيرا .
قال يرتد بصيرا ويذهب البياض الذي على عينيه. ابن عباس:
وقال يعد بصيرا. السدي:
وقال يرجع بصيرا. الفراء:
وقوله: وأتوني بأهلكم أجمعين قال وكان أهله نحوا من سبعين إنسانا، وقال الكلبي: مسروق: يوسف مصر وهم ثلاثة وتسعون من رجل وامرأة. دخل أهل