عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال سواء منكم من أسر القول ومن جهر به ومن هو مستخف بالليل وسارب بالنهار له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وإذا أراد الله بقوم سوءا فلا مرد له وما لهم من دونه من وال
عالم الغيب والشهادة ، الكبير بمعنى العظيم، ومعناه يعود إلى كبر قدره واستحقاقه صفات العلو، وهو أكبر من كل كبير; لأن كل كبير يصغر بالإضافة إليه، وقوله المتعال قال علم ما غاب عن جميع خلقه، وما شهده خلقه وعلموه : المتعالي عما يقول المشركون. الحسن
وقوله: سواء منكم من أسر القول أي: أخفاه وكتمه، ومن جهر به أعلنه وأظهره، قال : السر والجهر عنده سواء. مجاهد
وقوله: وسارب بالنهار الظاهر، يقال: سربت الإبل تسرب سروبا، أي: مضت في الأرض ظاهرة حيث شاءت.
قال : معنى الآية الجاهر بنطقه، والمضمر في نفسه، والظاهر في الطرقات، والمستخفي في الظلمات علم الله فيهم جميعا سواء. الزجاج
قوله: له معقبات المعقبات: المتناوبات التي يخلف كل واحد منها صاحبه، ويكون بدلا منه، وهم الملائكة الحفظة في قول عامة المفسرين.
قال شمر : هي الكائنات يأتي بعضها بعد ذهاب بعض.
قال : المعقبات الملائكة يأتي بعضهم بعقب بعض. الزجاج
قال : المعقبات ذكر أن [ ص: 8 ] جمع ملائكة معقبة، ثم جمعت معقبة معقبات، والذي يدل على التذكير قوله: الفراء يحفظونه من أمر الله .
قال ، ابن عباس ، وسعيد بن جبير ، والحسن ، وقتادة : المعقبات الملائكة الحفظة. ومجاهد
يدل على صحة هذا ما:
أخبرنا أبو بكر محمد بن إبراهيم الفارسي ، أنا أبو عمرو بن مطر ، نا أبو داود سليمان بن سلام ، نا ، قال يحيى بن يحيى : قرأت على قتادة مالك ، عن ، عن أبي الزناد ، عن الأعرج : أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: أبي هريرة ثم يعرج الذين باتوا فيكم فيسألهم ربهم، وهو أعلم بهم، كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: "تركناهم وهم يصلون، وأتيناهم وهم يصلون" يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل، وملائكة بالنهار، ويجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر، ، ومعنى الآية: لله ملائكة حفظة تتعاقب في النزول إلى الأرض من بين يدي الإنسان ومن خلفهم وقوله: " يحفظونه من أمر الله ذكر في هذا قولين، أحدهما: أنه على التقديم والتأخير، وتقديره: له معقبات من أمر الله يحفظونه من بين يديه ومن خلفه. الفراء
والثاني: إن هذا على إضمار أن ذلك الحفظ من أمر الله، أي: مما أمر الله به، ونحو هذا قال ، قال: المعنى حفظهم إياه من أمر الله، أي: مما أمرهم الله به، لا أنهم يقدرون أن يدفعوا أمر الله. الزجاج
وقال : وفي هذا قول آخر وهو: أن من بمعنى الباء، والتأويل: يحفظونه بأمر الله، وهذا قول ابن الأنباري ، مجاهد وعطاء ، ، والحسن ، قالوا: يحفظونه بأمر الله. وقتادة
وقال : يحفظونه من أمر الله إلى أمر الله، مما لم يقدر الله إلى ما قدر الله، وقال السدي كعب : لولا أن الله وكل بهم ملائكة يذبون عنكم، لتخطفتكم الجن.
أخبرنا أبو بكر التميمي ، أنا أبو الشيخ الحافظ ، نا أبو يحيى الرازي ، نا ، نا سهل بن عثمان زياد البكائي ، عن ليث ، عن ، قال: مجاهد . ما من مسلم ينام إلا وكل الله به وكلاء من الملائكة يحفظونه من الجن والهوام، فإذا أرادوه بشيء، قالوا: وراءك وراءك، إلا شيئا قد قضى له أن يصيبه
أخبرني محمد بن عبد العزيز المروزي ، أنا ، أخبرهم، أنا محمد بن الحسين الحدادي محمد بن يزيد ، أنا [ ص: 9 ] إسحاق بن إبراهيم ، أنا ، نا النضر بن شميل ، عن إسرائيل أبي إسحاق ، عن عمرو بن أبي جندب، قال: كنا جلوسا عند سعيد بن قيس بصفين فأقبل علي ، رضي الله عنه، متوكئا على عنزة له، بعد ما اختلط الظلام، فقال سعيد : يا أمير المؤمنين، قال: نعم، قال: أما تخاف أن يغتالك أحد؟ قال: إنه من أن يتردى في بئر، أو يخر من جبل، أو يصيبه حجر، أو تصيبه دابة، فإذا جاء القدر خلوا بينه وبين القدر. ليس من أحد إلا ومعه من الله حفظة
وقوله: إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم أي: لا يسلب قوما نعمة حتى يعملوا معصية.
قال : يريد العذر فيما بينه وبين خلقه، ويعني بهذا ابن عباس أهل مكة .
وإذا أراد الله بقوم سوءا عذابا، فلا مرد له قال : يريد لا راد لعذابي، ولا ناقض لحكمي. عطاء
وما لهم من دونه من وال يلي أمرهم ويمنع العذاب عنهم.