وإن تعجب فعجب قولهم أإذا كنا ترابا أإنا لفي خلق جديد أولئك الذين كفروا بربهم وأولئك الأغلال في أعناقهم وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ويستعجلونك بالسيئة قبل الحسنة وقد خلت من قبلهم المثلات وإن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم وإن ربك لشديد العقاب ويقول الذين كفروا لولا أنزل عليه آية من ربه إنما أنت منذر ولكل قوم هاد الله يعلم ما تحمل كل أنثى وما تغيض الأرحام وما تزداد وكل شيء عنده بمقدار
قوله: وإن تعجب أي: من عبادتهم ما لا يملك نفعا ولا ضرا، بعدما رأوا من قدرة الله تعالى في خلقه الأشياء التي ذكرها، فعجب قولهم الآية، قال : إن هذا موضع عجب أيضا، أنهم أنكروا البعث، وقد بين لهم من خلق السماوات والأرض ما يدل على أن البعث أسهل في القدرة. الزجاج
ثم أخبر أن هؤلاء الذين كافرون، فقال: أنكروا البعث بعد الموت أولئك الذين كفروا بربهم وأولئك الأغلال في أعناقهم الأغلال جمل الغل، وهو طوق يقيد به اليد إلى العنق، يقال منه: غل الرجل فهو مغلول.
قوله ويستعجلونك [ ص: 6 ] بالسيئة قبل الحسنة يعني مشركي مكة، سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأتيهم بالعذاب استهزاء منهم بذلك، فالمراد بالسيئة هاهنا العقوبة المهلكة، والحسنة هي العاقبة والرخاء، والله تعالى صرف عمن بعث إليهم محمدا صلى الله عليه وسلم عقوبة الاصطلام، وأخر تعذيب مكذبيه إلى يوم القيامة، فذلك التأخير هو الحسنة، وهؤلاء الكفار استعجلوا العذاب قبل إحسان الله معهم بالإنظار، وقوله: وقد خلت من قبلهم المثلات يقال للعقوبة: مثلة ومثلة.
قال : المثلة العقوبة التي تبقي في المعاقب شيئا بتغيير بعض خلقه، من قولهم: مثل فلان بفلان إذا شان خلقه بقطع أنفه وأذنه، أو سمل عينيه، أو بقر بطنه. ابن الأنباري
قال ، ابن عباس : المثلات العقوبات، وما مثل الله بالمكذبين قبلهم. وقتادة
قال الأزهري : يقول: يستعجلونك بالعذاب الذي لم أعاجلهم به، وقد علموا ما نزل من عقوباتنا بالأمم الخالية، فلم يعتبروا بها، وكان ينبغي أن يردعهم ذلك عن الكفر خوفا أن ينزل بهم مثل الذي نزل بمن كفر قبلهم.
قوله: وإن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم قال : لذو تجاوز عن المشركين إذا آمنوا وصدقوا، ابن عباس وإن ربك لشديد العقاب للمصرين على الشرك، وتلا مطرف يوما هذه الآية، فقال: لو يعلم الناس قدر رحمة الله ومغفرة الله وعفو الله وتجاوز الله لقرت أعينهم، ولو يعلم الناس قدر عذاب الله، وبأس الله ونكال الله ونقمة الله، ما رقأ لهم دمع، ولا قرت أعينهم بشيء.
أخبرنا نصر بن بكر بن أحمد بن الحسين ، أنا عبد الله بن محمد بن نصير ، أنا ، أنا محمد بن أيوب ، نا موسى بن إسماعيل ، عن حماد بن سلمة ، عن علي بن زيد ، قال: سعيد بن المسيب لما نزلت: وإن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم وإن ربك لشديد العقاب ; قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: "لولا عفو الله وتجاوزه ما هنأ أحدا العيش، ولولا وعيد الله وعقابه لاتكل كل أحد" قوله: ويقول الذين كفروا لولا أنزل عليه آية من ربه قال : يريد مثل الناقة والعصا وما جاء به النبيون. ابن عباس
وقال : طلبوا غير الآيات التي أتى بها فالتمسوا مثل آيات الزجاج موسى وعيسى .
فقال الله: إنما أنت منذر تنذرهم بالنار، وليس إليك من الآيات شيء، ولكل قوم هاد أي: نبي وداع إلى الله يدعوهم بما يعطى من الآيات، لا بما يريدون ويتحكمون، وهذا قول ، ابن عباس ، ومجاهد . وقتادة
وقال ، سعيد بن جبير وعطية ، : الهادي هو الله عز وجل. والضحاك
والمعنى أنت منذر تنذر، والله هادي كل قوم يهدي من شاء.
قوله: الله يعلم ما تحمل كل أنثى يعلم ما في بطن كل حامل من علقة، أو مضغة، أو زائد، أو ناقص، على اختلاف في [ ص: 7 ] جميع أحواله، وقال ، عن عطاء : يريد ذكر أم أنثى، واحد أم اثنين أم أكثر. ابن عباس
وقوله: وما تغيض الأرحام الغيض النقصان، ذكرنا ذلك عند قوله: وغيض الماء قال أكثر المفسرين: يعلم الوقت الذي تنقصه الأرحام من المدة التي هي تسعة أشهر.
وما تزداد على ذلك، قال : الغيض النقصان من الأجل، والزيادة ما يزداد على الأجل، وذلك أن النساء لا يلدن لأجل واحد. الضحاك
وقوله: وكل شيء عنده بمقدار قال : ابن عباس . علم كل شيء فقدره تقديرا مما يكون قبل أن يكون، وكل ما هو كائن إلى يوم القيامة