الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال  سواء منكم من أسر القول ومن جهر به ومن هو مستخف بالليل وسارب بالنهار  له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وإذا أراد الله بقوم سوءا فلا مرد له وما لهم من دونه من وال  

                                                                                                                                                                                                                                      عالم الغيب والشهادة علم ما غاب عن جميع خلقه، وما شهده خلقه وعلموه  ، الكبير بمعنى العظيم، ومعناه يعود إلى كبر قدره واستحقاقه صفات العلو، وهو أكبر من كل كبير; لأن كل كبير يصغر بالإضافة إليه، وقوله المتعال قال الحسن : المتعالي عما يقول المشركون.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: سواء منكم من أسر القول أي: أخفاه وكتمه، ومن جهر به أعلنه وأظهره، قال مجاهد : السر والجهر عنده سواء.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: وسارب بالنهار الظاهر، يقال: سربت الإبل تسرب سروبا، أي: مضت في الأرض ظاهرة حيث شاءت.

                                                                                                                                                                                                                                      قال الزجاج : معنى الآية الجاهر بنطقه، والمضمر في نفسه، والظاهر في الطرقات، والمستخفي في الظلمات علم الله فيهم جميعا سواء.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: له معقبات المعقبات: المتناوبات التي يخلف كل واحد منها صاحبه، ويكون بدلا منه، وهم الملائكة الحفظة في قول عامة المفسرين.

                                                                                                                                                                                                                                      قال شمر : هي الكائنات يأتي بعضها بعد ذهاب بعض.

                                                                                                                                                                                                                                      قال الزجاج : المعقبات الملائكة يأتي بعضهم بعقب بعض.

                                                                                                                                                                                                                                      قال الفراء : المعقبات ذكر أن [ ص: 8 ] جمع ملائكة معقبة، ثم جمعت معقبة معقبات، والذي يدل على التذكير قوله: يحفظونه من أمر الله .

                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن عباس ، وسعيد بن جبير ، والحسن ، وقتادة ، ومجاهد : المعقبات الملائكة الحفظة.

                                                                                                                                                                                                                                      يدل على صحة هذا ما:

                                                                                                                                                                                                                                      أخبرنا أبو بكر محمد بن إبراهيم الفارسي ، أنا أبو عمرو بن مطر ، نا أبو داود سليمان بن سلام ، نا يحيى بن يحيى ، قال قتادة : قرأت على مالك ، عن أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة : أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: " يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل، وملائكة بالنهار، ويجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر،  ثم يعرج الذين باتوا فيكم فيسألهم ربهم، وهو أعلم بهم، كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: "تركناهم وهم يصلون، وأتيناهم وهم يصلون" ، ومعنى الآية: لله ملائكة حفظة تتعاقب في النزول إلى الأرض من بين يدي الإنسان ومن خلفهم وقوله: يحفظونه من أمر الله ذكر الفراء في هذا قولين، أحدهما: أنه على التقديم والتأخير، وتقديره: له معقبات من أمر الله يحفظونه من بين يديه ومن خلفه.

                                                                                                                                                                                                                                      والثاني: إن هذا على إضمار أن ذلك الحفظ من أمر الله، أي: مما أمر الله به، ونحو هذا قال الزجاج ، قال: المعنى حفظهم إياه من أمر الله، أي: مما أمرهم الله به، لا أنهم يقدرون أن يدفعوا أمر الله.

                                                                                                                                                                                                                                      وقال ابن الأنباري : وفي هذا قول آخر وهو: أن من بمعنى الباء، والتأويل: يحفظونه بأمر الله، وهذا قول مجاهد ، وعطاء ، والحسن ، وقتادة ، قالوا: يحفظونه بأمر الله.

                                                                                                                                                                                                                                      وقال السدي : يحفظونه من أمر الله إلى أمر الله، مما لم يقدر الله إلى ما قدر الله، وقال كعب : لولا أن الله وكل بهم ملائكة يذبون عنكم، لتخطفتكم الجن.

                                                                                                                                                                                                                                      أخبرنا أبو بكر التميمي ، أنا أبو الشيخ الحافظ ، نا أبو يحيى الرازي ، نا سهل بن عثمان ، نا زياد البكائي ، عن ليث ، عن مجاهد ، قال: ما من مسلم ينام إلا وكل الله به وكلاء من الملائكة يحفظونه من الجن والهوام، فإذا أرادوه بشيء، قالوا: وراءك وراءك، إلا شيئا قد قضى له أن يصيبه   .

                                                                                                                                                                                                                                      أخبرني محمد بن عبد العزيز المروزي ، أنا محمد بن الحسين الحدادي ، أخبرهم، أنا محمد بن يزيد ، أنا [ ص: 9 ] إسحاق بن إبراهيم ، أنا النضر بن شميل ، نا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن عمرو بن أبي جندب، قال: كنا جلوسا عند سعيد بن قيس بصفين فأقبل علي ، رضي الله عنه، متوكئا على عنزة له، بعد ما اختلط الظلام، فقال سعيد : يا أمير المؤمنين، قال: نعم، قال: أما تخاف أن يغتالك أحد؟ قال: إنه ليس من أحد إلا ومعه من الله حفظة  من أن يتردى في بئر، أو يخر من جبل، أو يصيبه حجر، أو تصيبه دابة، فإذا جاء القدر خلوا بينه وبين القدر.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم أي: لا يسلب قوما نعمة حتى يعملوا معصية.

                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن عباس : يريد العذر فيما بينه وبين خلقه، ويعني بهذا أهل مكة .

                                                                                                                                                                                                                                      وإذا أراد الله بقوم سوءا عذابا، فلا مرد له قال عطاء : يريد لا راد لعذابي، ولا ناقض لحكمي.

                                                                                                                                                                                                                                      وما لهم من دونه من وال يلي أمرهم ويمنع العذاب عنهم.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية