وقد مكروا مكرهم وعند الله مكرهم وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال فلا تحسبن الله مخلف وعده رسله إن الله عزيز ذو انتقام يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات وبرزوا لله الواحد القهار وترى المجرمين يومئذ مقرنين في الأصفاد سرابيلهم من قطران وتغشى وجوههم النار ليجزي الله كل نفس ما كسبت إن الله سريع الحساب هذا بلاغ للناس ولينذروا به وليعلموا أنما هو إله واحد وليذكر أولو الألباب
قوله: وقد مكروا مكرهم يعني مكرهم بالنبي صلى الله عليه وسلم حين هموا بقتله ونفيه، وعند الله مكرهم أي: جزاء مكرهم، وإن كان مكرهم وما كان مكرهم، لتزول منه الجبال يعني: أمر النبي صلى الله عليه وسلم، وما أتى به من دين الإسلام، وضرب الجبال مثلا له على معنى أن ثبوته كثبوت الجبال، قال : إن كان مكرهم لأوهن وأضعف من أن تزول منه الجبال. الحسن
وقرأ لتزول بفتح اللام الأولى وضم الثانية، وإن على هذه القراءة لا يكون نفيا، بل يكون بمعنى قد، والمعنى: قد كادت الجبال تزول من مكرهم، وهذه مبالغة في وصف مكرهم بالعظم على مذهب العرب في المبالغة، قال الكسائي : وإن كان مكرهم يبلغ في الكيد إلى إزالة الجبال، فإن الله تعالى ينصر دينه. الزجاج
يدل على هذا قوله: فلا تحسبن الله مخلف وعده رسله قال : يريد النصر والفتح وإظهار الدين، ابن عباس إن الله عزيز منيع، ذو انتقام من الكافرين، وهو أن يجازيهم بالعقوبة على كفرهم.
قوله: يوم تبدل الأرض غير الأرض قال رضي الله عنهما: الأرض هي تلك الأرض، وإنما تبدل آكامها، وجبالها، وأشجارها. ابن عباس
ونحو هذا روى ، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: أبو هريرة يبدل الله الأرض غير الأرض، فيبسطها ويمدها مد الأديم العكاظي لا ترى فيها عوجا ولا أمتا ". "
وأما تبديل السماوات فقال : باختلاف هيئتها كما ذكر الله [ ص: 37 ] أنها تكون مرة كالمهل، ومرة كالدهان. ابن الأنباري
قال : تبدل بأرض كالفضة بيضاء نقية لم يسفك فيها دم، ولم يعمل عليها خطيئة. ابن مسعود
وهذا قول ، الكلبي وعطاء ، عن ، وأكثر المفسرين. ابن عباس
وبرزوا لله الواحد القهار كقوله: وبرزوا لله جميعا .
وترى المجرمين قال : يريد الذين أجرموا، زعموا أن لله ولدا وشريكا. ابن عباس
يومئذ يوم القيامة، مقرنين يقال: قرنت الشيء بالشيء إذا وصلته به، وجاء هاهنا على التشديد، لكثرة أولئك القوم، قوله: في الأصفاد جمع الصفد، وهو القيد، قال : يريد سلاسل الحديد والأغلال. عطاء
وقال : كل كافر مع شيطان في غل. الكلبي
وقال ابن زيد : قرنت أيديهم وأرجلهم إلى رقابهم بالأغلال.
سرابيلهم جمع سربال، وهو القميص، وقال : هو كل ما لبس من قطران، وهو هناء الإبل، وهو شيء يتحلب من شجر، وجعلت سرابيلهم من قطران; لأنه أبلغ في اشتعال النار في جلودهم، الزجاج وتغشى وجوههم النار أي تعلوها.
ليجزي الله كل نفس ما كسبت ليقع لهم الجزاء من الله بما كسبوا، يعني الكفار.
هذا يعني القرآن بلاغ للناس أي أنزل، ليبلغوا، ولينذروا به قال : ولتنذر قومك يا ابن عباس محمد ، وليعلموا أنما هو إله واحد أي: بما فيه من الحجج التي تدل على وحدانيته، وليذكر أولو الألباب وليتعظ أهل العقول والبصائر.