الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      وقد مكروا مكرهم وعند الله مكرهم وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال  فلا تحسبن الله مخلف وعده رسله إن الله عزيز ذو انتقام  يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات وبرزوا لله الواحد القهار  وترى المجرمين يومئذ مقرنين في الأصفاد  سرابيلهم من قطران وتغشى وجوههم النار  ليجزي الله كل نفس ما كسبت إن الله سريع الحساب  هذا بلاغ للناس ولينذروا به وليعلموا أنما هو إله واحد وليذكر أولو الألباب  

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: وقد مكروا مكرهم يعني مكرهم بالنبي صلى الله عليه وسلم حين هموا بقتله ونفيه، وعند الله مكرهم أي: جزاء مكرهم، وإن كان مكرهم وما كان مكرهم، لتزول منه الجبال يعني: أمر النبي صلى الله عليه وسلم، وما أتى به من دين الإسلام، وضرب الجبال مثلا له على معنى أن ثبوته كثبوت الجبال، قال الحسن : إن كان مكرهم لأوهن وأضعف من أن تزول منه الجبال.

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ الكسائي لتزول بفتح اللام الأولى وضم الثانية، وإن على هذه القراءة لا يكون نفيا، بل يكون بمعنى قد، والمعنى: قد كادت الجبال تزول من مكرهم، وهذه مبالغة في وصف مكرهم بالعظم على مذهب العرب في المبالغة، قال الزجاج : وإن كان مكرهم يبلغ في الكيد إلى إزالة الجبال، فإن الله تعالى ينصر دينه.

                                                                                                                                                                                                                                      يدل على هذا قوله: فلا تحسبن الله مخلف وعده رسله قال ابن عباس : يريد النصر والفتح وإظهار الدين، إن الله عزيز منيع، ذو انتقام من الكافرين، وهو أن يجازيهم بالعقوبة على كفرهم.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: يوم تبدل الأرض غير الأرض قال ابن عباس رضي الله عنهما: الأرض هي تلك الأرض، وإنما تبدل آكامها، وجبالها، وأشجارها.

                                                                                                                                                                                                                                      ونحو هذا روى أبو هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: " يبدل الله الأرض غير الأرض، فيبسطها ويمدها مد الأديم العكاظي  لا ترى فيها عوجا ولا أمتا ".

                                                                                                                                                                                                                                      وأما تبديل السماوات فقال ابن الأنباري : باختلاف هيئتها كما ذكر الله [ ص: 37 ] أنها تكون مرة كالمهل، ومرة كالدهان.

                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن مسعود : تبدل بأرض كالفضة بيضاء نقية لم يسفك فيها دم، ولم يعمل عليها خطيئة.

                                                                                                                                                                                                                                      وهذا قول الكلبي ، وعطاء ، عن ابن عباس ، وأكثر المفسرين.

                                                                                                                                                                                                                                      وبرزوا لله الواحد القهار كقوله: وبرزوا لله جميعا .

                                                                                                                                                                                                                                      وترى المجرمين قال ابن عباس : يريد الذين أجرموا، زعموا أن لله ولدا وشريكا.

                                                                                                                                                                                                                                      يومئذ يوم القيامة، مقرنين يقال: قرنت الشيء بالشيء إذا وصلته به، وجاء هاهنا على التشديد، لكثرة أولئك القوم، قوله: في الأصفاد جمع الصفد، وهو القيد، قال عطاء : يريد سلاسل الحديد والأغلال.

                                                                                                                                                                                                                                      وقال الكلبي : كل كافر مع شيطان في غل.

                                                                                                                                                                                                                                      وقال ابن زيد : قرنت أيديهم وأرجلهم إلى رقابهم بالأغلال.

                                                                                                                                                                                                                                      سرابيلهم جمع سربال، وهو القميص، وقال الزجاج : هو كل ما لبس من قطران، وهو هناء الإبل، وهو شيء يتحلب من شجر، وجعلت سرابيلهم من قطران; لأنه أبلغ في اشتعال النار في جلودهم، وتغشى وجوههم النار أي تعلوها.

                                                                                                                                                                                                                                      ليجزي الله كل نفس ما كسبت ليقع لهم الجزاء من الله بما كسبوا، يعني الكفار.

                                                                                                                                                                                                                                      هذا يعني القرآن بلاغ للناس أي أنزل، ليبلغوا، ولينذروا به قال ابن عباس : ولتنذر قومك يا محمد ، وليعلموا أنما هو إله واحد أي: بما فيه من الحجج التي تدل على وحدانيته، وليذكر أولو الألباب وليتعظ أهل العقول والبصائر.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية