الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      وما بعده ظاهر إلى قوله: والله أنزل من السماء ماء فأحيا به الأرض بعد موتها إن في ذلك لآية لقوم يسمعون  وإن لكم في الأنعام لعبرة نسقيكم مما في بطونه من بين فرث ودم لبنا خالصا سائغا للشاربين  ومن ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا إن في ذلك لآية لقوم يعقلون  وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتا ومن الشجر ومما يعرشون  ثم كلي من كل الثمرات فاسلكي سبل ربك ذللا يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون  والله خلقكم ثم يتوفاكم ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكي لا يعلم بعد علم شيئا إن الله عليم قدير  

                                                                                                                                                                                                                                      وإن لكم في الأنعام يعني الإبل والبقرة والغنم، لعبرة لدلالة على قدرة الله  ، ثم ذكرها، فقال: نسقيكم مما في بطونه من فتح النون فحجته ظاهرة لأنه يقال: سقيته ماء ولبنا، وما كان للشفة فهو بفتح [ ص: 70 ] النون.

                                                                                                                                                                                                                                      ومن ضم النون، فهو من قولهم: أسقاه إذا جعل له شربا، كقوله: وأسقيناكم ماء فراتا وذكر الكناية في بطونه لأن النعم والأنعام شيء واحد، فرجع التذكير إلى النعم إذ كان يؤدي عن معنى الأنعام، وهذا قول الفراء، وأنشد:


                                                                                                                                                                                                                                      وطاب ألبان اللقاح وبرد

                                                                                                                                                                                                                                      فرجع إلى اللبن; لأن اللبن والألبان بمعنى واحد، وقال الكسائي : أراد مما في بطون ما ذكرنا.

                                                                                                                                                                                                                                      قال الفراء : وهو الصواب.

                                                                                                                                                                                                                                      وقال المبرد : هذا فاش في القرآن مثل قوله للشمس: هذا ربي .

                                                                                                                                                                                                                                      يعني هذا الشيء الطالع، وكذلك وإني مرسلة إليهم بهدية ثم قال: فلما جاء سليمان ولم يقل: جاءت; لأن المعنى جاء الشيء الذي ذكرنا، وقوله: من بين فرث ودم الفرث سرجين الكرش، قال ابن عباس في رواية الكلبي : إذا استقر العلف في الكرش صار أسفله فرثا، وأعلاه دما، وأوسطه لبنا، فيجري الدم في العروق، واللبن في الضرع، ويبقى الفرث كما هو.

                                                                                                                                                                                                                                      فذلك قوله: من بين فرث ودم لبنا خالصا لا يشوبه الدم ولا الفرث، سائغا للشاربين جائزا في حلوقهم، يقال: ساغ الشراب في الحق وأساغه صاحبه.

                                                                                                                                                                                                                                      ومنه قوله: ولا يكاد يسيغه قال أصحابنا: وهذه الآية تدل على أن مني الآدمي  طاهر وإن كان في باطنه مجاورا للنجاسات، كاللبن الطاهر يخرج من بين نجسين.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: ومن ثمرات النخيل الآية، قال صاحب النظم: تقدير الآية ولكم من ثمرات النخيل والأعناب ما تتخذون منه سكرا.

                                                                                                                                                                                                                                      والعرب تضمر ما، كقوله: وإذا رأيت ثم أي: ما ثم، والأعناب عطف على الثمرات، أي: ومن الأعناب، تتخذون منه سكرا وكل ما يسكر، والرزق الحسن ما أحل منهما كالزبيب، والخل، والتمر.

                                                                                                                                                                                                                                      أخبرنا الأستاذ أبو منصور البغدادي ، نا محمد بن الحسن السراج ، أنا الحسن بن المثنى بن معاذ ، أنا أبو حذيفة [ ص: 71 ] موسى بن مسعود ، أنا سفيان الثوري ، عن الأسود بن قيس ، عن عمرو بن سفيان ، عن ابن عباس أنه سئل عن هذه الآية: تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا ; قال: السكر: ما حرم من ثمرها، والرزق الحسن: ما أحل الله من ثمرها  ، رواه الحاكم في (صحيحه ) ، عن أبي النضر الفقيه ، عن معاذ بن نجدة ، عن قبيصة ، عن سفيان ، وهذه الآية نازلة قبل تحريم الخمر، قال مجاهد : أما السكر; فهي الخمر قبل أن تحرم، وأما الرزق الحسن; فالتمر، والعنب، والزبيب، وشبهه.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية