الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قوله: [ ص: 68 ] للذين لا يؤمنون بالآخرة مثل السوء ولله المثل الأعلى وهو العزيز الحكيم  ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك عليها من دابة ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون  ويجعلون لله ما يكرهون وتصف ألسنتهم الكذب أن لهم الحسنى لا جرم أن لهم النار وأنهم مفرطون  تالله لقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فزين لهم الشيطان أعمالهم فهو وليهم اليوم ولهم عذاب أليم  وما أنزلنا عليك الكتاب إلا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه وهدى ورحمة لقوم يؤمنون  

                                                                                                                                                                                                                                      للذين لا يؤمنون بالآخرة مثل السوء أي: صفة السوء من احتياجهم إلى الولد وكراهيتهم الإناث خوف العيلة والعار، ولله المثل الأعلى الصفة العليا من تنزهه عن الولد.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: ولو يؤاخذ الله الناس قال ابن عباس : يريد المشركين.

                                                                                                                                                                                                                                      بظلمهم بافترائهم على الله، ما ترك عليها على الأرض، من دابة يعني دواب الأرض، قال السدي : يقول لأقحط المطر، فلم يبق في الأرض دابة إلا هلكت.

                                                                                                                                                                                                                                      وروي عن ابن مسعود ، أنه قرأ هذه الآية، فقال: كاد أن يهلك الجعل في جحره بذنب ابن آدم .

                                                                                                                                                                                                                                      والمعنى أن شؤم ذنوب المشركين كاد أن يصيب دواب الأرض حتى تهلك بسبب ذلك لولا حلم الله وتأخيره العقوبة  ، ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى يعني منتهى آجالهم، وانقضاء أعمارهم، وباقي الآية تقدم تفسيره.

                                                                                                                                                                                                                                      ويجعلون يعني المشركين، لله ما يكرهون يعني البنات، والمعنى: يحكمون لله بما يكرهون هم لأنفسهم، وتصف ألسنتهم الكذب أي: تقول الكذب، ثم فسر ذلك الكذب، فقال: أن لهم الحسنى يعني الجنة، قال الزجاج : يصفون أن لهم مع قبيح قولهم من الله الجزاء الحسن، فرد الله عليهم قولهم، وأثبت لهم النار، فقال: لا جرم أن لهم النار ، لا رد لقولهم، أي: ليس الأمر على ما وصفوا جرم فعلهم وقولهم، أي: كسب لهم النار، والمفسرون يقولون: حقا إن لهم النار، وأنهم مفرطون قال مجاهد ، والكلبي ، والضحاك : متركون منسيون في النار.

                                                                                                                                                                                                                                      وقال الكسائي : يقال: ما أفرطت [ ص: 69 ] من القوم أحدا، أي ما تركت.

                                                                                                                                                                                                                                      وقال الفراء : تقول العرب: أفرطت من القوم ناسا، أي خلقتهم ونسيتهم.

                                                                                                                                                                                                                                      وقال قتادة : معجلون إلى النار، يقال: أفرط القوم الفارط إذا قدموا إلى الماء ليصلح لهم شأنهم.

                                                                                                                                                                                                                                      وهذا اختيار الزجاج، قال: معنى مفرطون مقدمون إلى النار.

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ نافع بكسر الراء على معنى أنهم أفرطوا في الذنوب فكانوا مفرطين على أنفسهم في معصية الله، وقال ابن عباس : أفرطوا في الافتراء على الله.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: تالله لقد أرسلنا إلى أمم من قبلك قال ابن عباس يعزي نبيه صلى الله عليه وسلم بهذا.

                                                                                                                                                                                                                                      يقول: لقد أرسلنا إلى أمم، يعني رسلا وأنبياء من قبلك، فزين لهم الشيطان حتى عصوا وكذبوهم، فهو وليهم اليوم يعني يوم القيامة، يقول: فهو ولي أولئك الذين زين لهم سوء أعمالهم يوم القيامة، ومن كان الشيطان وليه ذلك اليوم دخل النار.

                                                                                                                                                                                                                                      وما أنزلنا عليك الكتاب يعني القرآن وما فيه من أخبار الأمم الماضية، إلا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه إلا لتبين لهؤلاء الكفار ما اختلف فيه الأمم من الدين والأحكام، فذهبوا فيه إلى خلاف ما ذهب إليه المسلمون، فتقوم الحجة عليهم بدعائك وبيانك، وهدى ورحمة وللهدى والرحمة، لقوم يؤمنون.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية