الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قوله: ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا  إن ربك يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر إنه كان بعباده خبيرا بصيرا  ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم إن قتلهم كان خطئا كبيرا  ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا  ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل إنه كان منصورا  

                                                                                                                                                                                                                                      ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك الآية، روى أبو حفص ، عن عبد الله بن مسعود ، قال: جاء غلام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: إن أمي تسألك كذا.

                                                                                                                                                                                                                                      فقال: "ما عندنا اليوم شيء" .

                                                                                                                                                                                                                                      قال: فيقول لك اكسني قميصا.

                                                                                                                                                                                                                                      قال: فخلع قميصه ودفعه إليه وجلس في البيت".


                                                                                                                                                                                                                                      فأنزل الله هذه الآية.

                                                                                                                                                                                                                                      والمعنى: لا تمسك يدك عن البذل كل الإمساك حتى كأنها مقبوضة إلى عنقك  لا تبسط الخير، ولا تبسطها كل البسط قال ابن عباس : أي في النفقة والعطية، كأنه نهي عن بذل جميع ما عنده حتى لا يبقى له شيء.

                                                                                                                                                                                                                                      وقال مجاهد :

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 106 ] يعني التبذير والإنفاق فيما لا يصلح.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: فتقعد ملوما قال السدي : تلوم نفسك وتلام محسورا.

                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن عباس : ليس عندك شيء.

                                                                                                                                                                                                                                      يقال: حسرت الرجل بالمسألة أحسره إذا أفنيت جميع ما عنده.

                                                                                                                                                                                                                                      إن ربك يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر يوسع على من يشاء، ويضيق على من يشاء، إنه كان بعباده خبيرا بصيرا حيث أجرى رزقهم على ما علم فيه صلاحهم.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله ولا تقتلوا أولادكم مفسر في سورة الأنعام إلى قوله: إن قتلهم كان خطئا كبيرا أي: إثما كبيرا، يقال: خطئ يخطأ خطأ، أي أثم، وقرأ ابن عامر خطأ بالفتح، وهو اسم من أخطأ، وقد جاء أخطأ بمعنى خطئ، أي أثم، وإذا كان كذلك كان خطئا بمعنى خطأ، وقرأ ابن كثير خطاء بكسر الخاء ممدودا، وهو بعيد لا وجه له.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله ولا تقربوا الزنا الآية،.

                                                                                                                                                                                                                                      سمعت الأستاذ أبا عثمان الحيري ، سمعت أبا بكر محمد بن أحمد بن يعقوب ، سمعت أبا عمرو عثمان بن الخطاب، المعروف بأبي الدنيا ، سمعت علي بن أبي طالب ، يقول: سمعت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يقول: في الزنا ست خصال; ثلاث في الدنيا، وثلاث في الآخرة  ، فأما في الدنيا فيذهب بنور الوجه، ويقطع الرزق، ويسرع الفناء، وأما اللواتي في الآخرة: فغضب الرب، وسوء الحساب، والدخول في النار" .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق قال المفسرون: حقها الذي تقتل به كفر بعد إسلام، أو زنا بعد إحصان، أو قتل نفس مؤمنة بتعمد.

                                                                                                                                                                                                                                      ومن قتل مظلوما يعني بغير إحدى هذه الخصال، فقد جعلنا لوليه يعني لوارثه الذي له المطالبة بدمه، سلطانا قال مجاهد : سلطانه حجته التي جعلت له أن يقتل قاتله.

                                                                                                                                                                                                                                      وقال الضحاك : هو أنه [ ص: 107 ] إن شاء قتل، وإن شاء عفا، وإن شاء أخذ الدية.

                                                                                                                                                                                                                                      فلا يسرف الولي، في القتل قال ابن عباس : هو أن يقتل غير القاتل.

                                                                                                                                                                                                                                      وقال مجاهد : هو أن يقتل بالواحد الاثنين والثلاثة.

                                                                                                                                                                                                                                      والمعنى: فلا يسرف الولي في القتل، أي لا يتجاوز ما حد له إنه الولي، كان منصورا بقتل قاتل وليه والاقتصاص منه، وقرأ حمزة فلا تسرف بالتاء على مخاطبة الولي.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية