قوله: وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجابا مستورا وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا وإذا ذكرت ربك في القرآن وحده ولوا على أدبارهم نفورا نحن أعلم بما يستمعون به إذ يستمعون إليك وإذ هم نجوى إذ يقول الظالمون إن تتبعون إلا رجلا مسحورا انظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلوا فلا يستطيعون سبيلا وقالوا أإذا كنا عظاما ورفاتا أإنا لمبعوثون خلقا جديدا قل كونوا حجارة أو حديدا أو خلقا مما يكبر في صدوركم فسيقولون من يعيدنا قل الذي فطركم أول مرة فسينغضون إليك رءوسهم ويقولون متى هو قل عسى أن يكون قريبا يوم يدعوكم فتستجيبون بحمده وتظنون إن لبثتم إلا قليلا وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن إن الشيطان ينزغ بينهم إن الشيطان كان للإنسان عدوا مبينا ربكم أعلم بكم إن يشأ يرحمكم أو إن يشأ يعذبكم [ ص: 110 ] وما أرسلناك عليهم وكيلا وربك أعلم بمن في السماوات والأرض ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض وآتينا داوود زبورا
وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجابا مستورا
نزلت في قوم ، قال كانوا يؤذون رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قرأ القرآن : وهم الكلبي أبو سفيان ، والنضر بن الحارث ، وأبو جهل ، وأم جميل امرأة أبي لهب .
حجب الله رسوله عن أبصارهم عند قراءة القرآن، فكانوا يأتونه ويمرون به ولا يرونه.
أخبرنا محمد بن أبي بكر المطوعي ، أنا محمد بن أحمد بن علي الحيري ، أنا أحمد بن علي بن المثنى ، نا أبو موسى إسحاق بن إبراهيم الهروي ، نا سفيان ، عن ، عن الوليد بن كثير ، عن ابن تدرس أسماء ، قالت: لما نزلت تبت يدا أبي لهب وتب; جاءت العوراء أم جميل ، ولها ولولة، وفي يدها فهر، وهي تقول: مذمما أبينا، ودينه قلينا، وأمره عصينا، ورسول الله، صلى الله عليه وسلم، جالس وأبو بكر إلى جنبه، فقال أبو بكر : لقد أقبلت هذه وأنا أخاف أن تراك، فقال: "إنها لن تراني" ، وقرأ قرآنا اعتصم به وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجابا مستورا ، قال: فجاءت حتى قامت على أبي بكر ، ولم تر النبي، صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا أبا بكر ، بلغني أن صاحبك هجاني، قال: لا، ورب هذا البيت، ما هجاك، فانصرفت وهي تقول: قد علمت قريش أني بنت سيدها ، رواه الحاكم في (صحيحه ) ، عن الصبغي ، عن بشر بن موسى ، عن ، عن الحميدي سفيان وقوله: حجابا مستورا قال : أراد ساترا، والفاعل قد يكون في لفظ المفعول، كما تقول: إنه لمشئوم وميمون، وإنما هو شائم ويامن. الأخفش
فقال غيره: حجابا مستورا عن الأعين لا يبصر، إنما هو قدرة من قدرة الله تعالى، حجب النبي صلى الله عليه وسلم عن أعين أعدائه حجابا لا يرونه ولا يراه النبي صلى الله عليه وسلم.
ثم ذكر أن الله منعهم من فهم القرآن بقوله: وجعلنا على قلوبهم أكنة وقد تقدم تفسيره في سورة الأنعام، وقوله: وإذا ذكرت ربك في القرآن وحده يعني قلت لا إله إلا الله وأنت تتلو القرآن، ولوا على أدبارهم نفورا قال : كارهين أن يوحدوا الله. ابن عباس
وقال : إن [ ص: 111 ] النبي صلى الله عليه وسلم لما قال: لا إله إلا الله، أنكر ذلك المشركون، وكبر عليهم. قتادة
والمعنى: انصرفوا هاربين عنك كراهية لما يسمعونه من توحيد الله.
قوله: نحن أعلم بما يستمعون به قال المفسرون: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتخذ طعاما ويدعو إليه أشراف قريش من المشركين، ففعل ذلك علي ، . ودخل عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقرأ عليهم القرآن، ودعاهم إلى التوحيد، فكانوا يستمعون ويقولون فيما بينهم متناجين: هو ساحر، وهو مسحور
فأخبر الله نبيه بذلك، وأنزل عليه نحن أعلم بما يستمعون أي يستمعونه، والباء زائدة، أخبر الله أنه عالم بتلك الحالة، وبذلك الذي كانوا يستمعونه، إذ يستمعون إلى الرسول، وإذ هم نجوى قال : يتناجون فيما بينهم بالتكذيب والاستهزاء، ابن عباس إذ يقول الظالمون يعني أولئك المشركون، إن تتبعون ما تتبعون، إلا رجلا مسحورا مخدوعا، والمسحور الذي قد سحر فاختلط عليه أمره، قال ابن الأعرابي : المسحور الذاهب العقل، المفسد أمره.
و انظر كيف ضربوا لك الأمثال بينوا لك الأشياء حين شبهوك بالكاهن، والساحر، والشاعر، والمعلم، والمجنون، فضلوا عن الحق فلا يستطيعون سبيلا مخرجا عن الضلال إلى الهدى.
ثم ذكر إنكارهم البعث بقوله: وقالوا أإذا كنا عظاما ورفاتا قال : الرفات التراب لا واحد له، وهو مثل الرقاق، والحطام والرفت كسر الشيء بيدك، مثل المدر والعظم البالي، وما كسر فهو رفات، مثل الفتات، قال الفراء رضي الله عنه: أي إذا ذهب اللحم والعروق، وبقيت عظام قد بليت، فإذا مسكته بين أصبعيك انسحق، فهو رفات. ابن عباس
أإنا لمبعوثون خلقا جديدا أي: أنبعث إذا صرنا ترابا؟ وهذا استفهام إنكار وتعجب، قال الله تعالى: قل كونوا حجارة أو حديدا قال : إنهم كانوا يقرون أن الله خالقهم، وينكرون أنه يعيدهم. الزجاج
فقيل لهم استشعروا أنكم لو خلقتم من حجارة أو حديد أو خلقا مما يكبر في صدوركم الأكثرون قالوا: يعني الموت، وليس أكبر في صدور بني آدم من الموت، يقول: لو كنتم الموت، لأماتكم الله، ثم أحياكم; لأن القدرة التي بها أنشأكم، بها يعيدكم، هذا معنى قوله: فسيقولون من يعيدنا قل الذي فطركم أول مرة وقال : ما شئتم فكونوا حجارة، أو حديدا، أو سماء، أو أرضا، أو جبلا سيعيدكم الله كما كنتم، وقوله: فسينغضون يقال: أنغض رأسه ينغضه إنغاضا إذا حركه. مجاهد
والمعنى: يحركون رءوسهم تكذيبا لهذا القول واستبعادا له، ويقولون متى هو أي البعث والإعادة، قل عسى أن يكون قريبا يعني هو قريب، وعسى من الله واجب.
ثم ذكر أنه متى يكون، فقال: يوم يدعوكم أي: بالنداء الذي يسمعكم، وهو النفخة الأخيرة كما قال: يوم يناد المناد من مكان قريب .
[ ص: 112 ] فتستجيبون تجيبون، بحمده قال : يخرجون من قبورهم، ويقولون: سبحانك وبحمدك، ولا ينفعهم في ذلك اليوم لأنهم حمدوا حين لا ينفعهم الحمد. سعيد بن جبير
وتظنون إن لبثتم إلا قليلا وتعلمون ما لبثتم في الدنيا إلا قليلا، قال ، الحسن : استقصروا مدة لبثهم مع ما يعلمون من طول لبثهم في الآخرة. وقتادة
ومن المفسرين من يذهب إلى أن هذه الآية خطاب للمؤمنين، لأنهم يستجيبون الله بحمده، ويحمدونه على إحسانه إليهم، ويستقلون مدة لبثهم في البرزخ لأنهم كانوا غير معذبين.
وقوله: وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن قال : كان المشركون يؤذون أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الكلبي بمكة ، فيقولون: يا رسول الله، ائذن لنا في قتالهم.
فيقول لهم: إني لم أومر فيهم بشيء.
فأنزل الله هذه الآية، والمعنى: قل لعبادي المؤمنين يقولوا للكافرين الكلمة التي هي أحسن، قال : يقولون له: يهديك الله. الحسن
إن الشيطان هو الذي يفسد بينهم لأنه عدو للإنسان ظاهر العداوة.
ربكم أعلم بكم إن يشأ يرحمكم بالإنجاء من كفار مكة ، وينصركم عليهم، أو إن يشأ يعذبكم بتسليطهم عليكم، وما أرسلناك عليهم وكيلا حافظا وكفيلا، أي وما وكل إليهم إيمانهم، إن شاء هداهم وإن شاء خذلهم.
وربك أعلم بمن في السماوات والأرض قال : لأنه خلقهم، فهدى بعضهم وأضل بعضهم على علم منه بهم، وكذلك تفضيل النبيين بعضهم على بعض، كان عن حكمة وعلم، وهو قوله: ابن عباس ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض قال : اتخذ الله قتادة إبراهيم خليلا ، وكلم موسى تكليما، وجعل عيسى كلمته وروحه، وآتى سليمان ملكا لا ينبغي لأحد من بعده، وآتى داود زبورا، وغفر لمحمد صلى الله عليه وسلم ما تقدم من ذنبه وما تأخر.
وقوله: وآتينا داوود زبورا قال : أي فلا تنكروا تفضيل الزجاج محمد صلى الله عليه وسلم وإعطاءه القرآن، فقد أعطى الله داود الزبور.
وقال : كنا نحدث أنه تحميد وتمجيد لله، ليس فيه حلال ولا حرام، ولا فرائض ولا حدود. قتادة