قوله: أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا وقل رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا
أقم الصلاة لدلوك الشمس دلوك الشمس زوالها وميلها في وقت الظهر، وكذلك ميلها للغروب هو دلوكها أيضا، قال : دلوك الشمس من لدن زوالها إلى غروبها عند العرب. المبرد
والمفسرون مختلفون فيه، فقوم يقولون: دلوكها زوالها، وهو قول ، الحسن ، والشعبي وعطاء ، ، ومجاهد . وقتادة
وقال قوم: دلوكها غروبها، وهو قول ، ابن مسعود وعلي ، ، والسدي ، في رواية وابن عباس . سعيد بن جبير
قال الأزهري : معنى الدلوك [ ص: 121 ] في كلام العرب الزوال، ولذلك قيل للشمس إذا زالت نصف النهار: دالكة، وقيل لها إذا أفلت: دالكة; لأنها في الحالتين زائلة.
قال: والقول عندي: إن زوالها نصف النهار لتكون الآية جامعة للصلوات الخمس.
والمعنى: أقم ، فتدخل فيها الأولى، والعصر، وصلاتا غسق الليل، وهما العشاءان، ثم قال: الصلاة من وقت زوال الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر فهذه خمس صلوات، ومعنى غسق الليل سواده وظلمته، قال : قلت ابن جريج لعطاء : ما غسق الليل؟ قال: أوله حين يدخل.
وقال : غسق الليل إظلامه. ابن مسعود
قال ، الفراء : يقال: غسق الليل أغسق إذا أقبل ظلامه. والزجاج
وقوله: وقرآن الفجر قال ، والمفسرون: يريد صلاة الصبح. ابن عباس
قال : أي وأقم قرآن الفجر، قال: وفي هذا فائدة عظيمة تدل على أن الصلاة لا تكون بقراءة حيث سميت الصلاة قرآنا. الزجاج
وقوله: إن قرآن الفجر كان مشهودا كلهم قالوا: صلاة الفجر، تشهدها ملائكة الليل وملائكة النهار.
أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الفارسي ، نا أبو الفضل محمد بن عبد الله بن خميرويه ، نا أبو الحسن علي بن محمد الخزاعي ، نا ، أخبرني أبو اليمان شعيب ، عن ، أخبرني الزهري ، سعيد بن المسيب وأبو سلمة ، أن ، رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: أبا هريرة ، ثم يقول "تفضل صلاة الجماعة صلاة أحدكم وحده بخمس وعشرين جزءا، وتجتمع ملائكة الليل، وملائكة النهار في صلاة الفجر" : اقرءوا إن شئتم أبو هريرة وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا .
رواه ، عن البخاري ، قوله: أبي اليمان ومن الليل فتهجد به ، قال : فصل بالقرآن، وقال ابن عباس مجاهد وعلقمة والأسود : التهجد بعد النوم، قال الليث : تهجد إذا استيقظ للصلاة، وقال الأزهري : المتهجد القائم إلى الصلاة من النوم، وقيل له: متهجد لإلقائه الهجود عن نفسه، كما يقال: تخرج وتأثم وتحوب [ ص: 122 ] وقوله: نافلة لك معنى النافلة في اللغة ما كان زيادة على الأصل، وصلاة الليل كانت زيادة للنبي صلى الله عليه وسلم خاصة، لرفع الدرجات لا للكفارات; لأنه غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وليست لنا بنافلة.
وهذا قول جميع المفسرين، قوله: عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا قال : عسى من الله واجبة، يريد أعطاك الله يوم القيامة مقاما محمودا يحمدك فيه الأولون والآخرون، تشرف على جميع الخلائق، وتسأل فتعطى، وتشفع فتشفع، وليس أحد إلا تحت لوائك. ابن عباس
وإجماع المفسرين على أن المقام المحمود هو مقام الشفاعة، ومعنى يبعثك ربك مقاما: يقيمك في ذلك المقام.
أخبرنا أبو بكر محمد بن إبراهيم الفارسي ، أنا أبو عمرو بن مطر ، نا عبدان الجواليقي ، نا ، نا أبو بكر ابن أبي شيبة ، عن وكيع ، عن أبيه ، عن إدريس الأودي ، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: أبي هريرة عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا الشفاعة.
أخبرنا أبو الفتح محمد بن علي الكوفي ، أنا أبو علي الحسن بن أحمد بن سليمان ، نا الفضل بن الخصيب ، نا محمد بن هارون الرازي ، نا ، نا أبو أسامة داوود الأودي ، عن أبيه ، عن ، أبي هريرة عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا ، قال: هو المقام الذي أشفع فيه لأمتي قوله: قوله عن النبي، صلى الله عليه وسلم، في وقل رب أدخلني مدخل صدق روى ، عن قابوس بن أبي ظبيان ، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ابن عباس بمكة ، ثم أمر بالهجرة، فنزلت عليه هذه الآية.
والمعنى: أدخلني المدينة ، وأخرجني من مكة ، والمدخل والمخرج بمعنى المصدر، وإضافتهما إلى الصدق مدح لهما، وكل شيء أضفته إلى الصدق فهو مدح، نحو قوله: قدم صدق ، مقعد صدق ، واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا حجة بينة تنصرني بها على جميع من خالفني.
قوله: وقل جاء الحق وزهق الباطل قال : الحق الإسلام، والباطل الشرك. السدي
وقال : الحق القرآن، والباطل الشيطان. قتادة
ومعنى زهق: بطل واضمحل، وكل شيء هلك وبطل فقد زهق.
أخبرنا محمد بن أبي بكر المطوعي ، أنا محمد بن أحمد بن علي الحيري ، أنا أحمد بن علي بن المثنى ، نا ، نا أبو خيثمة ، عن سفيان بن عيينة ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، عن أبي معمر ، قال: ابن مسعود مكة وحول البيت ثلات مائة وستون صنما، فجعل يطعنها، ويقول: جاء الحق وزهق الباطل، إن الباطل كان زهوقا. دخل النبي، صلى الله عليه وسلم،
رواه ، [ ص: 123 ] عن البخاري ، علي ابن المديني ومسلم ، عن أبي بكر ابن أبي شيبة كلاهما، عن سفيان وقوله: إن الباطل كان زهوقا قال : يريد كل ما كان عن الشيطان، كان خارجا عن الحق. ابن عباس
وقوله: وننزل من القرآن من هذا الجنس الذي هو القرآن، ما هو شفاء فجميع القرآن شفاء للمؤمنين، قال : إذا سمعه المؤمن انتفع به وحفظه ووعاه. قتادة
وعلى هذا معنى كونه شفاء، أنه ببيانه يزيل عمى الجهل وحيرة الشك، فهو شفاء من داء الجهل، وقال : يريد شفاء من كل داء، وعلى هذا معناه أن يتبرك به، فيدفع الله به كثيرا من المكاره والمضار. ابن عباس
ويؤكد هذا ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "من لم يستشف بالقرآن، فلا شفاه الله" .
وقوله: ورحمة للمؤمنين قال : يريد ثوابا لا انقطاع له، يعني في تلاوته يرحمهم الله بها، ويثيبهم عليها، ولا يزيد القرآن، الظالمين المشركين، إلا خسارا لأنهم يكفرون به ولا ينتفعون بمواعظه، فالقرآن سبب لهداية المؤمنين، وزيادة لخسارة الكافرين. ابن عباس
أخبرنا أبو القاسم بن عبدان ، نا محمد بن عبد الله الضبي ، أخبرني الحسن بن محمد بن حكيم المروزي ، نا ، أنا أبو الموجه عبدان ، نا ، أنا عبد الله بن المبارك ، عن جعفر بن سليمان ، عن الجريري ، عن أبي نضرة العبدي ، عن أسير بن جابر أويس القرني ، قال: ، قضاء من الله الذي قضى لم يجالس هذا القرآن أحد إلا قام عنه بزيادة أو نقصان شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا .