الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      وإن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك لتفتري علينا غيره وإذا لاتخذوك خليلا  ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا  إذا لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات ثم لا تجد لك علينا نصيرا  وإن كادوا ليستفزونك من الأرض ليخرجوك منها وإذا لا يلبثون خلافك إلا قليلا  سنة من قد أرسلنا قبلك من رسلنا ولا تجد لسنتنا تحويلا  

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: وإن كادوا ليفتنونك أي: هموا وقاربوا أن يزيلوك ويصرفوك، عن الذي أوحينا إليك يعني القرآن، والمعنى عن حكمه نزلت الآية في وفد ثقيف ، أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: متعنا باللات سنة، وحرم وادينا كما حرمت مكة ، فإنا نحب أن تعرف العرب فضلنا عليهم، فإن كرهت ما نقول، وخشيت أن تقول العرب: أعطيتهم ما لم تعط غيرهم، فقل: الله أمرني بذلك.

                                                                                                                                                                                                                                      فأمسك رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهم، وداخلهم الطمع، وقد هم أن يعطيهم ذلك، فأنزل الله [ ص: 120 ] هذه الآية.

                                                                                                                                                                                                                                      وكان في إعطائهم ما سألوا مخالفة لحكم القرآن، لذلك قال: وإن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك لتفتري علينا غيره لتختلق علينا غير ما أوحينا إليك، وهو قولهم: قل الله أمرني بذلك.

                                                                                                                                                                                                                                      وإذا لاتخذوك خليلا لو فعلت ما أرادوا.

                                                                                                                                                                                                                                      ولولا أن ثبتناك على الحق بعصمتنا إياك، لقد كدت هممت وقاربت، تركن إليهم أي: تميل شيئا قليلا، عبارة عن المصدر، أي: ركونا، قال ابن عباس : يريد حيث سكت عن جوابهم، والله أعلم بنيته.

                                                                                                                                                                                                                                      ثم توعده على ذلك لو فعله إذا لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات أي: ضعف عذاب الحياة، وضعف عذاب الممات، يريد عذاب الدنيا وعذاب الآخرة، أي: ضعف ما يعذب به غيره، قال ابن عباس : ورسول الله صلى الله عليه وسلم معصوم  ، ولكن هذا تخويف لأمته، لئلا يركن أحد من المؤمنين إلى أحد من المشركين في شيء من أحكام الله وشرائعه.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: وإن كادوا ليستفزونك من الأرض قال قتادة : هم أهل مكة بإخراج نبي الله صلى الله عليه وسلم منها، ولو فعلوا ذلك ما نوظروا، ولكن الله كفهم عن ذلك حتى أمره بالخروج.

                                                                                                                                                                                                                                      والمعنى أنهم قاربوا أن يزعجوك من أرض مكة ليخرجوك منها وإذا لا يلبثون خلافك وخلفك أي: بعدك، يعني بعد خروجك، وخلافك بمعنى خلفك، كقوله تعالى: بمقعدهم خلاف رسول الله وقوله: إلا قليلا أي: لو أخرجوك لاستأصلناهم بعد خروجك بمدة يسيرة، كسنتنا في من قبلهم، وهو قوله: سنة من قد أرسلنا قبلك من رسلنا قال سفيان بن عيينة : يقول: لم نرسل قبلك رسولا فأخرجه قومه إلا أهلكوا.

                                                                                                                                                                                                                                      وقال الزجاج : إن سنتنا هذه السنة في من أرسلنا قبلك إليهم، أنهم إذا أخرجوا نبيهم من بين أظهرهم، أو قتلوه، أن ينزل العذاب بهم.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: ولا تجد لسنتنا تحويلا أي: ما أجرى الله به العادة لم يتهيأ لأحد أن يقبلها، قال ابن عباس : لا خلف لسنتي ولا لقضائي ولا لموعدي.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية