قوله: ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا ولئن شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك ثم لا تجد لك به علينا وكيلا إلا رحمة من ربك إن فضله كان عليك كبيرا
ويسألونك عن الروح الآية.
أخبرنا أبو بكر التميمي ، أنا أبو الشيخ الحافظ ، نا أبو يحيى الرازي ، نا سهل بن عثمان العسكري ، نا ، عن علي بن مسهر ، عن الأعمش إبراهيم ، عن علقمة ، عبد الله ، قال: إني لمع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في حرث بالمدينة وهو متكئ على عسيب، فمر ناس من اليهود، فقالوا: سلوه عن الروح، فقال بعضهم: لا تسألوه فيستقبلكم بما تكرهون، فأتاه نفر منهم، فقالوا: يا أبا القاسم ، فسكت، ثم قام، فأمسك بيده على جبهته، فعرفت أنه ينزل عليه، فأنزل عليه: ما تقول في الروح؟ ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا . عن
رواه ، عن البخاري ، عن أبيه ، عن [ ص: 125 ] عمر بن حفص بن غياث وقال الأعمش في رواية ابن عباس : عطاء قالت اليهود لقريش : سلوا محمدا عن ثلاث، فإن أخبركم باثنين وأمسك عن الثالثة فهو نبي: سلوه عن فتية فقدوا، وسلوه عن ذي القرنين ، وسلوه عن الروح.
فسألوه عنها، ففسر لهم أمر الفتية في سورة الكهف وفسر لهم قصة ذي القرنين ، وأمسك عن قصة الروح، وذلك أنه ليس في التوراة قصته ولا تفسيره إلا ذكر اسم الروح، وأنزل قوله: ويسألونك عن الروح .
واختلف العلماء في ماهية الروح، فقال قوم: إن الروح هو الدم، ألا ترى أن من نزف دمه مات؟ والميت لا يفقد من جسمه إلا الدم.
وزعمت طائفة أن الروح هو استنشاق الهواء، ألا ترى أن المخنوق ومن منع من نسيم الهواء يموت.
وقال عامة المعتزلة، والنجارية: الروح عرض.
إلا ابن الراوندي ، فإنه قال: الروح جسم لطيف أسكن البدن.
وقال بعض الحكماء: إن الله تعالى خلق الأرواح من ستة أشياء: من جوهر النور، والطيب، والبقاء، والحياة، والعلم، والعلو ألا ترى أنه ما دام في الجسم كان الجسد نورانيا، تبصر العينان، وتسمع الأذنان، ويكون طيبا، فإذا خرج أنتن الجسد ويكون باقيا، فإذا زايله الروح صار فانيا، ويكون حيا وبخروجه يصير ميتا، ويكون عالما فإذا خرج منه الروح لم يعلم شيئا، ويكون الجسد علويا لطيفا ما دام فيه الروح، فإذا خرج صار سفليا كثيفا، والاختيار من هذه الأقوال أنه جسم لطيف توجد به الحياة، يدل على هذا قوله تعالى في صفة الشهداء: بل أحياء عند ربهم يرزقون فرحين والارتزاق والفرح من صفات الأجسام، والمراد بهذا أرواحهم; لأن أجسامهم بليت في التراب، وكذلك ما روي أن أرواح الشهداء تعلق من شجر الجنة، وتأوي إلى قناديل معلقة تحت العرش، وهذا الفعل لا يتأتى من العرض.
أخبرنا أبو الحسن محمد بن أحمد بن الفضل ، أنا عبد المؤمن بن خلف ، أنا أبي بن خلف بن طفيل ، أخبرني أبي طفيل بن زيد ، نا أبو عمير ، نا أبو عبد الله أحمد بن محمد الجعاب ، نا نعيم بن عمرو ، نا سليمان بن رافع البصري ، عن أبي أمية ، عن ، قال: إن ابن عباس ، وصار الروح صورة أخرى، فلا يطيق الكلام; لأن الجسد جرم، والروح يصوت من جوفه ويتكلم، فإذا فارق الروح الجسد; صار الجسد صفرا، وصار الروح صورة أخرى، ينظر إلى الناس، يبكونه، ويغسلونه ويدفنونه، ولا يستطيع أن يتكلم، كما أن الريح إذا دخل في مكان ضيق سمعت له دويا، فإذا خرج منه لم تسمع له صوتا، وكذلك المزامير، فأرواح المؤمنين ينظرون إلى الجنة ويجدون [ ص: 126 ] ريحها، وأرواح الكفار يعذبون في قبورهم، حتى إذا نفخ في الصور النفخة الأولى; رفع العذاب وكانت الأرواح عند ذلك أرواح المؤمنين، وأرواح الكافرين، ورفع العذاب عن الكفار فيما بين النفختين، فذلك قوله، تعالى: الروح إذا خرج من الإنسان; مات الجسد كل شيء هالك إلا وجهه فأشياء تفنى ويبقى وجه الله الكريم، هذا الذي ذكرنا كله عند التحقيق ضرب من التكلف; لأن الله، تعالى، أبهم علم ذلك قال : ما يبلغ الجن والإنس والملائكة والشياطين علم الروح، ولقد مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وما يدري الروح. عبد الله بن بريدة
وقال : الروح الذي يعيش به الإنسان لم يخبر الله به أحدا من خلقه، ولم يعط علمه أحدا من عباده. الفراء
فقال: قل الروح من أمر ربي أي: من علم ربي، أي أنكم لا تعلمونه، وقوله: وما أوتيتم من العلم إلا قليلا أي: بالإضافة إلى علم الله تعالى، وذلك أن اليهود تذكر كل شيء بما في كتبهم، فقال الله: وما أوتيتم من العلم إلا قليلا وقال : ويجوز أن يكون الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، وذلك حين لم يعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يبين الله له ذلك، قال له: الزجاج وما أوتيتم من العلم إلا قليلا يدل على هذا قوله: ولئن شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك أي: إني أقدر أن آخذ ما أعطيتك، كأنه يقول: لم تؤت إلا قليلا من العلم، ولو شئت أن آخذ ذلك قدرت، قال : لو شئنا لمحوناه من القلوب ومن الكتب حتى لا يوجد له أثر. الزجاج
أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم الواعظ ، أنا أبو الحسن محمد بن أحمد بن حامد العطار ، أنا أحمد بن الحسن بن عبد الجبار ، نا أبو محمد عبد الرحمن بن صالح الأزدي ، نا شريك ، عن ، عن عبد العزيز بن رفيع ، عن شداد بن معقل عبد الله ، قال: ، وليصلين أقوام لا خلاق لهم، وسيرفع القرآن من بين أظهركم، ثم قرأ عبد الله: أول ما تفقدون من دينكم الأمانة، وآخر ما يبقى منه الصلاة ولئن شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك وقوله: ثم لا تجد لك به علينا وكيلا أي: لا تجد من تتكل عليه في رد شيء منه.
إلا رحمة من ربك لكن الله رحمك، فأثبت ذلك في قلبك وقلوب المؤمنين، إن فضله كان عليك كبيرا قال : يريد حيث جعلتك سيد ولد آدم، وختمت بك النبيين، وأعطيتك المقام المحمود. ابن عباس